القناة الرقمية للأستاذ خالدى الهادي

Type your summary here

Type rest of the post here

إنقر هنا للإطلاع على المزيد ..

الهيمنة من خلال أطروحات التجارة الدولية

تمكنا فيما سبق الوقوف على طبيعة الأنظمة الاقتصادية التي سادت على الصعيد العالمي من خلال سرد أهم الوقائع التي ميزت العصور الغابرة وهذا في غياب الفكر الذي يترجم ويفسر طبيعة هذه المعاملات، إلا أنه مع بداية العصر الحديث برزت أفكارا أخذت تهتم بالمجال الاقتصادي وكان ذلك في إطار فلسفة العلوم، وقد جاءت هذه المذاهب لمواكبة النهضة التي عرفتها أوروبا، إلا أن المختصون في تاريخ الفكر الاقتصادي يؤكدون على أن الاقتصاد السياسي كعلم مستقل بذاته مرتبط بالمفكر آدم سميث من خلال مؤلفه طبيعة وثروة الأمم الذي نشره في سنة 1776 والذي ميزه التحليل الاقتصادي (صامويلسون: 1993: 283) وسمح له تفسير الأحداث والوقائع الاقتصادية عن طريق عزل الظاهرة ومعالجتها وفق المنهج العلمي، ولقد كتب مؤلفه خلال تواجده بفرنسا بمدينة تولوز واحتك برواد المذهب الطبيعي وعلى رأسهم كيسناي وتورجو (سول: 1965: 63)، وهكذا امتاز سميث باتساع أفق البحث لديه إذ جمع بين المذهبين أي الطبيعي والتجاري، ولقد أثار سميث في مؤلفه موضوع التجارة الدولية إلا أن التحليل المعمق يعود الفضل فيه إلى ريكاردو الذي يمكن القول بأنه صاحب الفضل في رسم المعالم الأولى الموضوع محل الدراسة من خلال أطروحته للتكاليف النسبية المقارنة، والتي استخدمها من بعده الكثير من الباحثين في هذا الموضوع كإطار نظري للإثراء، ومن ثمة نتسأل حول إمكانية اعتبار الطرح الكلاسيكي الإطار الأمثل الذي يتم فيه مناقشة وإثراء إشكالية التجارة الدولية حتى وإن اختلفت أدواتها وغايتها! فالمقصود بالاختلاف الطرح إذ نصنف الأطروحات ضمن اتجاهين، أحدهما يمثل الاتجاه الإيجابي الذي يعمد إلى إبراز أهمية المبادلات الدولية ومنافعها، بينما الاتجاه الثاني فإنه يمثل الطرح المضاد الذي يحاول الوقوف على مواطن الضعف وآثار السلبية التي تنجم عن قيام مثل هذه المبادلات؛ وعليه نتسأل عن المبررات والحجج التي يستند إليها كل اتجاه في إثبات طرحهما، وما هي أدوات التحليل المستخدمة والمنهج المتبع لدى كل منهما.
قد يطرح التساؤل عن العلاقة التي يمكن إقامتها بين الهيمنة كإصلاح غريب عن قاموس الفكر الرأسمالي من جهة وأبحاثهم المتعلقة بدراسة إشكالية التجارة الدولية من جهة أخرى، والحقيقة أن مصطلح الهيمنة غير وارد البتة في أطروحتهم، إلا أن الباحث الذي يستخدم التحليل المعرفي في معالجة أعمالهم يجدها قد انطلقت

من أجل تحقيق هذا المبدأ والأمثلة على ذلك كثيرة منها قانون المنافذ والتكاليف النسبية التي شجعت التوسع الاستعماري وغزو الأمم ولو أنها سلوكات استخدمت قديما وأعيد استخدامها حديثا وأخذت صورا أخرى في التاريخ المعاصر، وقد تمت في هذا العصر تحت غطاء الحرية الاقتصادية وتجسيد شعار حرية العمل وحرية العبور.

ولقد برزت ظاهرة الهيمنة بشكل خاص في مجال المعاملات الدولية التي كانت تتم بين الأمم الأوروبية في حد ذاتها من ناحية، وبين الأمم الأوروبية وباقي العالم من ناحية أخرى، ولقد ساعد على ذلك النهضة التي عرفتها أوروبا في يما في المجال الصناعي والتي يسبق للعالم وأن عرف مثيلا لها إذ تعد بمثابة قفزة نوعية وكمية في مجال التطور الاقتصادي والاجتماعي، وهكذا نجد التفسير المنطقي للدوافع التي جعلت الأمم الأوروبية تتسابق من أجل أخذ موقعها في النظام الاقتصادي العالمي الذي يتلاءم والمرحلة محل الدراسة، ومن جهة أخرى تتسابق من أجل الاستلاء على الأقاليم لما وراء البحار التي تمكنها من تأمين حاجاتها من الموارد الطبيعية والبشرية كما تضمن من خلالها أسواقا لتصريف منتجاتها، ومن ثمة جاءت هذه الأطروحات متطابقة مع النهضة التي تشهدها أوروبا والتي تعد بمثابة البعث الجديد للمدينة اليونانية والرومانية، إلا أن الفكر امتاز بحركيته ومسايرته للتطور وهذا ما يفسر بروز مدارس أخرى كالمدرسة النيوكلاسيكية التي ظهرت إلى الوجود سنة 1871 من خلال المفكر (جيفونس) W. S. Jevons وكذلك (كارل مينجر) C.Menger الأول ببريطانيا والثاني بالنمسا، وبعدهما ظهر في لوزان (فالراس) L.Walras وفي ذات الوقت برزت أفكار مشابهة لأفكار (جيفونز) والتي جاء بها (ألفريد مارشال) A.Marshall وذلك ببحثه مبادئ الاقتصاد وتلي هؤلاء رعيلا آخر نذكر منهم (فيكسل) (وبارتو) وأخيرا (فيشر)L.Fisher، ولقد اهتم الفكر النيوكلاسيكي بنظرية السلوك في السوق وكذلك المنفعة، وقد ساعد نجاح هذا الفكر المجدد عاملين، فشل الكلاسيك بتوفير حلول لعدد من المشاكل النظرية من ناحية، والتغير في المناخ السياسي والإيديولوجي من جهة أخرى وهكذا (روبنسون: 1988: 64) نجد مدرسة (فيينا) النيوكلاسيكية انكبت على معالجة آلية المنفعة الحدية، بينما اهتمت مدرسة شيكاغو فقد خصصت أبحاثها لدراسة الميكانيزمات النقدية (78: 1970 A.Piettre)، وهكذا سنعمل في هذا البحث على إماطة اللثام لكشف ظاهرة الهيمنة من خلال دراسة الأطروحات الأكثر انتشارا والعمل على استخلاص المؤشرات ذات الطابع الكمي الدالة على الظاهرة محل الدراسة وعليه فإن تسليط الأضواء على هذه الأطروحات وتحليل خلفياتها ونواياهم التي تترجم السلوك العام للنظام الرأسمالي، هكذا فإن دراستنا تعد إبستيمولوجية لطريقة التنظير شكلا ومضمونا ولبلوغ هذه الغاية والإلمام بالموضوع من كل الجوانب قمنا بإتباع الخطوات التالية:

أولا: الهيمنة من خلال أطروحات التجارة الدولية للكلاسيك.
ثانيا: الهيمنة من خلال أطروحات التجارة الدولية للنيوكلاسيك.

الهيمنة من خلال نظريات التجارة الدولية في الفكر الكلاسيكي
إذا كان يعتبر آدم سميث مؤسس علم الاقتصاد، فإنه يمكن القول بأن ربيكاردو مؤسسا لنظرية خاصة بالتجارة الدولية، وهذا التقدير لا ينفي وجود محاولات سابقة، فقد حاول التجاريون تفسير المبادلات الخارجية كما حاول سميث وضع تصور للتجارة الخارجية، إذ يرى بأن العمل السنوي لكل أمة إنما هو الرصيد الذي يمدها مباشرة بكل ضروريات وكماليات الحياة التي تستهلكها سنويا، والتي تتكون دائما من النتائج المباشر لهذا العمل أو مما تشتريه بهذا الناتج من الأمم الأخرى (20: 1980 A. GRJEBINE) وعليه فإنه يعتبر المبادلات الدولية محصورة في السلع والخدمات وهي في اعتقاده عنصرا مكملا للناتج الوطني بغية إشباع الحاجات الداخلية، وفي هذا السياق يفرق بين السلع الكمالية -أي السلع الرفيعة- ويعتقد بأن هذه الأخيرة يتم إنتاجها في ظروف وشروط إنتاج أفضل أما التي لا يمكن إنتاجها فإنه من الأفضل استيرادها عن طريق تخصيص جزء من الناتج (20: 1980 A. GRJEBINE) بذلك يكون سميث قد حاول رسم المعالم الأولية لشروط التبادل الدولية، كما عمل على إبراز مزايا التخصص وتقسيم العمل الدوليين وفي هذا السياق فإن اختلاف النفقات المطلقة التي تنتج بها السلع من دولة إلى أخرى تمثل القاعدة التي ينطلق منها لإبراز ضرورة التخصص الذي يساهم في تحقيق المزيد من المهارة والتي تساهم في انخفاض النفقات المطلقة وزيادة وفرة الإنتاج، وهذا يؤدي إلى اتساع السوق المتاحة أمام الأطراف المتبادلة، فيزداد بذلك التخصص وتقسيم العمل وتطور الكفاءة في الإنتاج (س. النجار 1973: 51).

لقد تزامن عصر سميث وعصر الثورة الصناعية التي ساهمت في التمويل الكمي الذي عرفته أوروبا ولاسيما إنجلترا وفرنسا، ونظرا لاحتكاكه بالتجاريين والطبيعيين في كلتا الدولتين أدرك وظيفة التجارة الخارجية والمتمثلة في توليد الفائض الذي لا يمكن الحصول عليه نظرا لضيق السوق الزراعية المحلية؛ فالتجارة الخارجية -في نظره- هي امتداد للتجارة الداخلية ولذلك يد حض حجج الحماية لدعم الصناعات الناشئة منتقدا بذلك تصور التجاريين ومؤيدا للطرح الفيريوقراطي الذي شعاره دعه يعمل دعه يمر ومن ثمة نجده متحمسا لسياسة حرية التجارة (عمرو 1988: 34) وعلى العكس، يذهب ريكاردو في عرض أطروحته للتجارة الدولية إلى استخدام نظرية التكاليف النسبية مستندا في تحقيق ذلك إلى نظرية القيمة في العمل، وبتعريف هذه الأخيرة نخلص إلى إيجاد تنافس منطقي بينها وبين أطروحة التكاليف النسبية، وفي هذا السياق من الأهمية بمكان إبراز المغالطات الجمة التي تعمدها وذلك دفاعا عن أفكاره المتعلقة بالتجارة الدولية لاسيما وأنه حدد أهدافا من وراء بناء هذه النظرية، وتتمثل في ابراز أهمية تقسيم العمل والتخصص الدوليين من جهة، وزيادة حجم الربح الفعلي المتحقق من جراء حركة السلع والخدمات بين الأمم من جهة أخرى (الصفتي 1977: 48) ولتحقيق هذه الأهداف وضع مجموعة من الفرضيات نوردها على النحو التالي (خالدي 1992: 21):


1-وجود دولتين وهما البرتغال وبريطانيا
2-وجود سلعتين وهما القماش والنبيذ.
3-عدم وجود حواجز جمركية، وعدم وجود قيود على حركة السلع والخدمات.
4-انعدام نفقات النقل.
5-كل السلع المتبادلة مقدرة بعدد الساعات الضرورية اللازمة لعملية إنتاجها .
6-قدرة الإنتاج على الحركة بسهولة داخل البلد الواحد، وانعدام حركيتها ما بين الدول.
7-التجارة تتم وفق قاعدة المقايضة سلعة بسلعة مع إهمال دور النقود.

إن عرض الأطروحة التي يقدمها ريكاردو، تقودنا إلى نتيجة هامة تتمثل في تفريطه في التبسيط لأن التجارة الدولية أكثر تعقيدا (1)، إذ لو عممنا هذه الفكرة على جملة من السلع والدول لظهرت مجموعة من النتائج أخفاها ريكاردو وتتمثل في الهيمنة التي تفرضها الاقتصاديات المبنية على الاقتصاديات الهشة وذلك طبقا للوزن النسبي للأمة ومدى مساهمتها في الاقتصاد الدولي، رغم محاولة تأكيده على أهمية التخصص وتقسيم العمل الدوليين ومساهمتهما في دفع الاقتصاد الدولي إلى الاندماج والتكامل وهذا لا يطابق الواقع كما سنرى، ويبرز قصور أطروحته لاعتمادها على نظرية القيمة والعمل والتي تحدد قيمة السلعية بكمية العمل المبذول في إنتاجها فقط من جهة، ولاعتماد المقايضة رغم وجود النقود الذي تأكد دوره من خلال أفكار المذهب التجاري الذين عملوا على محافظة النقد على قيمته واعتقدوا أن التخفيض في العملة يؤثر سلبا على التجارة

(1)-للاطلاع على مضمون الأطروحة أنظر: أطروحتنا للماجستير تحت عنوان "الهيمنة من خلال أطروحات التجارة الدولية مع دراسة لحالة الصندوق النقد الدولي " معهد العلوم الاقتصادية، جامعة الجزائر 1992.

الخارجية للأمة؛ وعليه فإن اعتماد المقايضة من طرف ريكاردو، يعد إلى اعتقاد المدرسة الكلاسيكية بحيادية النقود، ومع ذلك فإن التسليم بصحة مثاله يجعلنا نجزم بأن الفكرة المطروحة تدور أساسا للتمهيد لبروز مجموعتين من الدول -هذا حسب رأينا- بحيث تتخصص المجموعة الأولى فيى الإنتاج الصناعي، وهي المسماة اليوم بالدول الصناعية وذلك لتفوقها النسبي -إن لم نقل المطلق- في هذا الميدان وتقريبا في باقي الميادين الأخرى، أما المجموعة الثانية التي ستبرز فهي تلك التي ستخصص في الإنتاج الزراعي والتي تسمى بالدول الزراعية، بينما تعد اليوم كذلك بل أصبحت دولا استهلاكية لا تساهم إلا بما تحوزه من مواد أولية -كما سنرى ذلك- وعليه فإن مساهمة ريكاردو في التجارة الدولية موجهة فقط لتلك التجارة التي قد تقوم بين دول أوروبا، باعتبار أن باقي العالم أصبح ملك يمين هذه الدول، و عليه فإنه من الضروري الأخذ بعين الاعتبار التعديل الذي يحدث في التكاليف النسبية في حد ذاتها وذلك وفق درجة التخصص الدولي، فإن استطاعت الدول تطبيق قانون إنتاج السلعة ذا ت التكلفة المرتفعة بأقل تكلفة فإنها ستصبح دولة منافسة للدولة المصدرة وهكذا ستلجأ هذه الأخيرة إلى حماية صناعتها (92/ S. AMIN 1970:) ونفس الشيء يقال بالنسبة للصناعات الناشئة، ضف إلى ذلك تكاليف النقل التي أسقطها ريكاردو والتي من شأنها تعديل قانون النفقات النسبية، وعموما تدرج هذه النظرية في إطار التحليل الساكن أي عندما تكون العلاقات النسبية مستقلة عن الزمن وهذا واضح من خلال افتراض أن لكل دولة كمية ثابتة من عناصر الإنتاج وعليه يعتقد بأن طاقتها الإنتاجية ثابتة هي الأخرى وهذا ينفي توقع تنوع السلعة المنتجة، ومن هنا فإننا نستخلص من تحليلنا الإبستيمولوجي لأطروحة ريكاردو والعوامل التالية المحددة لظاهرة الهيمنة والمتمثلة في الدور الذي يلعبه الفائض وطرق فكرة التخصص وتقسيم العمل الدوليين وطريقة توظيفهما .

لقد حظى ميل الخطوة التي انتهجها ريكاردو وذلك من خلال اعتماده على دولتين وسلعتين لبناء أطروحته حول القيم الدولية، رغم أنه أعطى الفكر الكلاسيكي صورته النهائية، حيث انطلق من فكرة مجردة مؤداها أن الفرد يتحرك وفقا لمصلحته الذاتية في ظل النظام التنافسي الحر، ومن ثمة تدفعه هذه المصلحة الشخصية للبحث عن أكبر قدر ممكن من النفع وبأقل مجهود (76: 1973 A. Piettre) ويعد الوحيد في المدرسة الكلاسيكية الذي نادى بتدخل الدولة من أجل إصلاح الأوضاع الاجتماعية وهذا ما دفع بالبعض إلى حد القول يجب التفرقة بين يتيوارت ميل الليبرالي الاشتراكي (20: 1980 LAJUGIE)، وهذا ما حمله على كتابة أطروحته في القيم الدولية إذ يرى منتوجات دولة ما تبادل بمنتوجات الدول الأخرى وذلك وفق معايير قيم إجمالي صادراتها والتي تضمن تغطية إجمالي واردتها وهذا يمثل قانونا للقيم الدولية، وهذا يعد أوسع من قانون القيمة الأكثر عمومية والتي أطلقنا عليه قيمة معادلة العرض والطلب، فالدولة الأكثر استفادة من التجارة الدولية هي تلك التي تعرف منتوجها طلبا متزايدا من طرف الدول الأخرى وفي نفس الوقت إقبالها على المنتجات الأجنبية أقل من الطلب الأجنبي على سلعها (نامق 1968: 108) وعليه فإنه بنى أطروحته بهدف إثراء أطروحتي سمين وريكاردو في التجارة الدولية من خلال إضافة عناصر جديدة إضافة عناصر جديدة أغلفها هذين المفكرين كقانون الطلب المتبادل ومرونة العرض والتبادل وقد سعى لتحقيق هذه الغاية من خلال جملة من الفرضيات نوردها على النحو التالي:

1-قيام التجارة بين دولتين وهما ألمانيا وإنجلترا.
2-وجود سلعتين فقط وهما الأقمشة والألبسة القطنية
3-وجود نفقات النقل.
4-توفر شروط المنافسة الكاملة في كلتا الدولتين.

من تفحص محتوى الأطروحة (1)، نجد أن ميل قد حقق ما عجز عنه سميث وريكاردو، إذ أنجز أطروحته بإثارة إشكالية طرق تحديد معدل التبادل (Terme d'échange) وهذا عن طريق استخدام الطلب المتبادل وقد بين تأثره بميكانيزم السوق من جهة وبمرونة العرض والطلب من جهة أخرى، كما قام بإدراج مصاريف النقل التي لها تأثير على معدلات التبادل الدولي، وفي هذا الإطار يعتقد بأن طلب إحدى الدولتين على سلع الدولة الأخرى غير مرن وهذا يؤدي إلى استقرار معدل التبادل لصالحها لأنه سيعود بالنفع الأكبر وهذا يؤكد على أن القيمة الدولية للسلعة لا تتحدد على أساس نفقة إنتاجها فحسب، بل تتحدد على المستوى الذي يحققه التبادل بين طلب كل من البلدين على سلع الآخر (شيحة 1985: 335)، وعليه يأخذ من بين المعدلات الكبيرة الممكنة يوجد الحد الأدنى والحد الأقصى، إلا أنه يوجد معدل أمثل وهو الذي يحقق التعادل بين قيمة الصادرات والواردات، والدولة التي يميل إليها معدل التبادل وتحصل على النفع وتعظم ربحها من خلال هذه الحركة، وفي هذا السياق يؤكد ميل على أن المبادلات تعود بالنفع والربح على الدول الفقيرة وهي أقل نسبيا للدول الغنية وهذا منافيا للحقائق، كما سنرى ذلك، والجدول التالي يبين العلاقة القائمة بين أسعار المواد الأولية من جهة وأسعار السلع المصنعة التي تؤكد عكس ما توصل إليه ميل.

(1)-أنظر: أطروحتنا للماجستير، مرجع سابق ذكره.

فالجدول السابق يبين الاختلاف الموجود بين أسعار السلع المصنعة من جهة وأسعار المواد الأولية من جهة أخرى، وانطلاقا من القاعدة التي حددها ميل، فإن معدل التبادل في هذا المثال لصالح إنجلترا وعليه فإن التبادل محل الدراسة أحادي الاتجاه، ويترتب على ذلك الارتباط العضوي لاقتصاديات الدول المصدرة للمواد الأولية باقتصاد الدول المصدرة للسلع المانيفكتورية وهذا يؤدي إلى اتساع الفجوة بين المجموعتين، كما يمكن أن نستخلص من هذه الأطروحة إهمال ميل ميكانيزمات السوق إذا لم يوليها اهتمامه رغم الدور الذي قد تلعبه والذي يعد دورا حساسا وحاسما في تحديد أسعار السلع التي لها وزن لا يمكن تجاهله في تحديد أسعار المبادلة بالإضافة إلى التناقض الواضح في سلوك الأسعار للمواد المصنعة من جهة والمواد الأولية من جهة أخرى، فالأولى لها طابع احتكاري وعليه يمكن القول بأنه عبر دورات متعاقبة ازداد التباين بين مستوى أسعار السلع الصناعية وأسعار المواد الأولية وهذا يترجم حركة الأسعار التفاضلية بين طرفي التبادل لا سيما وأن الدول المتخلفة تمتاز بميولها للتصدير وكذلك للتجارة بينما الدول الصناعية فإنها تميل إلى الاستيراد (ماير: 1968: 64)، ومهما يكن من أمر، فإن الأطروحات السالفة الذكر حتى وإن ضاق أفق تحليلها فإنها تعد مساهمة حقيقة وانطلاقة جادة لرسم معالم التجارة الدولية ومحاولة فهمها فهما دقيقا لا سيما مساهمة ميل الذي اعترف بأن قيام التبادل الدولي يكون لصالح طرف دون الآخر وهذا يعد في الواقع متغيرا جديدا يمكن إضافته للمتغيرات السابقة منها التوسع الإقليمي والفائض وطرق امتصاصه والتخصص بما يخدم المركز المهيمن وأخيرا معدل التبادل أو بعبارة هذه النتائج مطابقة للبيئة التي تم فيها التحليل السابق التي تميزت بتطوير وسائل النقل وأعمال البنوك تطورا هائلا، أما الناحية الفكرية والاجتماعية انطلق الفكر الإنساني محطما بذلك الأفكار الإقطاعية وقيود الكنيسة، ولقد حققت حركة الإصلاح الديني وبروز المذهب البروتستاني تحولا ملموسا في سلوك الأفراد لا سيما في النشاط الاقتصادي وحرية العمل، لقد تأثرت المدرسة الكلاسيكية بكل هذه الوقائع، بالإضافة إلى وقائع أخرى من مساحة الأراضي التي تمتلكها، فإنجلترا احتلت 19 مليون متر مربع أما المستعمرات الفرنسية فتبلغ 9 مليون متر مربع (17: 1976 LESOURD9)، كما بسطت هذه الدول هيمنتها حتى على الدول غير المستعمرة وذلك بفضل التدفقات المالية ومن هذه الدول نجد الصين والدولة العثمانية واليابان وأمريكا اللاتينية، ومن صور الهيمنة المطبقة على هذه الدول تزايد الهجرة من أوروبا نحو باقي العالم، وقد استفادت أوروبا من ذلك بحيث نشرت ثقافتها وكان هؤلاء المهاجرين بمثابة العيون التي تترصد حال الدول المستقلة لهم وقد انعكست هذه الملامح بشكل إيجابي في الفلسفة الاقتصادية التي أمن بها الكلاسيك، ومن ثمة فلا غرابة إن نادوا لسياسات الحرية الاقتصادية على النطاق الوطني الدولي، والمقصود بالدولي -وهذا حسب اعتقادي- المبادلات التي تتم داخل المنظومة الأوروبية أو بعض البلدان كاليابان والولايات المتحدة الأمريكية التي عرفت الثورة الصناعية مباشرة بعد حصولها على الاستقلال والدول الضعيفة المذكورة سابقا والتي تتمتع باستغلال قانوني -أي الصين والدولة العثمانية- ولا ينطبق ذلك على الأقاليم المستعمرة لكونها تخضع كلية للدول المهيمنة وهي مرتبطة بها ارتباط عضوي ومن ثم فإن الدعوة إلى الحرية الاقتصادية تعني فتح الحدود ما بين الدول الأوروبية وتسهيل حركة السلع ورؤوس الأموال ولكن هذا لا ينطبق والواقع المعاش، ويبرز ذلك من خلال إقامة الحواجز الجمركية التي تعيق هذه الحركة وتحول دون تنقلها وفي هذا السياق إنشاء اتحاد الزولفراين "ZOLVEREN" من طرف حكومة بروسيا -أي ألمانيا- وهذا من أجل حماية الصناعات الناشئة وكذلك التجارة بعد أن استفادت من قروض من لندن على مرحلتين 1818 و 1822 وهذا من أجل إعادة التوازن المالي العمومي، ومن أجل التحكم في الوضع قامت الحكومة بالتدخل عن طريق إنشاء سكك الحديد للربط بين مقاطعاتها، إلا أن هذه الإجراءات سبقتها إنشاء الزولفرين سنة 1818 وهي هيئة جمركية فرضت من خلالها رسوما جمركية تسمح للصناعة والتجارة بالصمود أمام المنافسة الإنجليزية (95: 1966 M.MAUVAIS) ولم يتوقف الحد عند إقامة الحواجز الجمركية بل بلغ الأمر إلى تطبيق الحصار الاقتصادي، حيث قام نابليون بفرضه على إنجلترا وأصدر مرسوما يعرف بمرسوم برلين 1806 القاضي بفرض الحصار على إنجلترا من خلال تحريم موانئ أوروبا الفرنسية أو موانئ الدول الحليفة لفرنسا من أجل إضعاف هيمنة بريطانيا على التجارة العالمية، إلا أن إنجلترا قامت برد فعل عنيف إذ منعت فرنسا وحلفائها من المعاملات الدولية فيما وراء البحار ولم تتوقف عند هذا الحد بل قامت بمحاصرة الموانئ الفرنسية، بينما عملت فرنسا على فرض رسوم جمركية عالية على كل محاصيل المستعمرات التي يتم نقلها بالسفن الإنجليزية أو قادمة من مستعمراتها وهذا ما أدى إلى وقوع أزمة مالية خانقة (عبد الحميد البطريق 1971: 473) أفرزتها هذه الحرب الاقتصادية ونجم عنها توقف التعامل التجاري مع أوروبا، ولربما هذا ما جعل رواد المدرسة الكلاسيكية يؤدون على الحرية الاقتصادية وبضرورة إزالة العوائق والحواجز الجمركية من أجل ترقية التجارة الدولية، وهذا ما أدى بهم إلى التأكيد على التخصص وتقسيم العمل الدوليين لحل الخلافات والنزاعات من ناحية، وتحقيق الازدهار و الرفاه من ناحية أخرى، فما هو الطرح الذي جاء به النيوكلاسيك في هذا المجال بعد أن عالجوا مواضيع نظرية كالتوازن وآليات السوق والآليات النقدية ما هي أفكارهم التي قدموها في التجارة الدولية؟ وهل يمكن استخلاص متغيرات أخرى للهيمنة إضافة إلى ما توصلنا إليه في المطلب محل الدراسة؟ هذا ما سنحاول إماطة اللثام عنه في المطلب الموالي.

الهيمنة من خلال أطروحة التجارة الدولية للمدرسة الكلاسيكية المجددة
خلافا للمدرسة التقليدية، قامت المدرسة النيوكلاسيكية بالبحث في مجال الأسعار النسبية للسلع اعتمادا على مفهوم المنفعة ومفهوم التوازن وفي هذا السياق نجد والرأس قد اهتم بوسائل الإنتاج وسبل الإحلال أحدهما للآخر استجابة إلى تغييرات في السعر عن طريق تعديل التوليفات Combinaison فيما بينها (ربنسون 188: 69) وعليه فإن المحدد الأساسي للأسعار هو ندوة المورد بالنسبة للطلب وانطلاقا من هذا الإطار سعى (أولين وهيشكر) في الخوض والبحث لمناقشة مفارقات التكاليف النسبية وذلك بتفسير التبادل عن طريق استخدام مفهوم الندرة النسبية لمختلف عوام الإنتاج، وفي هذا السياق يعتقد (هيكشر) (27: 1980 A.GERJEBINE) بأن اختلاف الندرة النسبية لعوامل الإنتاج بين دولتين يعتبر شرط ضروري لبروز التباين في التكاليف المقارنة وبالنتيجة يكون تباين في التجارة الدولية، ضف إلى ذلك شرط تكميلي ولكنه ضروري والمتمثل في التوليفة بين عوامل الإنتاج التي لا يمكن أن تتم بنفس النسب في كلا من السلعتين، وعليه فإن انعدام هذا الشرط الأخير يؤدي إلى بقاء السعر النسبي للسلعتين متجانسا في كل دولة مهما كان التباين في الأسعار النسبية لعوامل الإنتاج، وعليه فإن غاية هذه الأطروحة تختلف عن الأطروحات السابقة من حيث الأهداف، فهي تعمل على تحديد دوافع التجارة الدولية والعوامل الواجب توفرها لتحقيق التخصص وتقسيم العمل الدوليين ومن أجل بلوغ هذه الغاية وضعا جملة من الفرضيات أهمها وفرة وندرة عوامل الإنتاج ومبدأ تناقص الغلة وتزايدها عن طريق التوسع في الإنتاج من خلال التحقق من تحقيق التوازن في الأسعار الدولية وتوفر السوق وأخيرا مدى حركية عوامل الإنتاج (الإطلاع أكثر أنظر: خالدي 1992: 45-45)، ومن أجل تقييم والتأكد من صحة هذه الأطروحة، قام (ليونتيف) بدراسة هيكل التجارة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية للفترة ما بين 1974-1952 في مؤلفه "الإنتاج الداخلي للتجارة الخارجية"، وتوصل إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بامتياز في الإنتاج السلع ذات كثافة لعنصر رأس المال، ويرى في نفس الوقت بأن انعدام المعطيات حول العلاقة لرأس المال/العمل في الإنتاج الأجنبي للسلع القادمة إلى الولايات المتحدة، جعل (ليوننيف) يتخطى هذا العائق من خلال دراسته للصادرات الأمريكية من ناحية والإنتاج الأمريكي الموجه للسوق الداخلية المنافس للسلع المستوردة وبذلك توصل إلى نتيجة مفادها أن المساهمة الأمريكية في تقسيم العمل الدولي تعتمد على تخصص متميز بأنواع من الإنتاج تحتوي على كثافة العمل أكبر من مساهمة عنصر رأس المال أي أن الولايات المتحدة تساهم في التبادل الدولي بهدف الاقتصاد في عنصر رأس المال مع استغلال الفائض المتاح لديها من اليد العاملة، قد يكون العكس أحيانا عند مقارنة هذه الدولة بباقي العالم، فإن اقتصادها يتميز بفائض نسبي في رأس المال وندوة نسبية للعمل، إلا أن ذلك غير صحيح (28: 1980 A.GRJEBINE) وحجته في ذلك إنتاجية اليد العاملة الأمريكية تكافئ ثلاثة أضعاف نظرائهم فيما عداها من الدول وعليه لا يمكن الاقتصار فقط على عوامل الإنتاج (أرض - عمل - رأس مال) بل يجب فهم تطور المبادلات الدولية والمميزات الخاصة لكل عنصر من العناصر السابقة ومدى توفرها في كل دولة بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه التربية في تأهيل اليد العاملة لا سيما تلك التي تتمتع بكفاءة ومهارة وكذلك الدور الذي يمكن أن تلعبه القروض والاستثمارات المباشرة وكذلك نقل التكنولوجيا وفي هاذ السياق نذكر التجربة اليابانية الرائدة التي حققت تقدما كبيرا وأضحت من عمالقة العالم رغم أن جغرافيتها الاقتصادية لا تشجع تحقيق مثل هذه النتائج؛ ومن ثمة تسائل هل يمكن فعلا اعتبار عامل الندرة النسبية الدافع الرئيسي لقيام التجارة الدولية وبالتالي إرساء قواعد تقسيم العمل والتخصص الدوليين، والإجابة على هذا السؤال تلجأ إلى النتائج التي توصلا إليها (ماك دوغال) DOUGALL و (بيلاساوستيرن) B.BALASSA-WSTERNE والمتمثلة في كون الأجور الأسبوعية في الصناعة الأمريكية تمثل السعف مقارنة البريطانية ومنم ثمة يعتقدون بأن الأطروحة محل الدراسة تمثل طرحا جديدا لنظرية التكاليف المقارنة ولكن بأدوات تحليل جديدة تعكس خصوصيات المدرسة النيوكلاسيكية.

وعليه نصل إلى حقيقة تتمثل في أن هذه الأطروحات رغم تنوعها إلا أنها سعت كلها إلى إبراز جدوى التخصص وتقسيم العمل الدوليين، ومنه فإن نسب عوامل الإنتاج تمثل متغيرات من متغيرات الهيمنة الذي استغلته الشركات الاحتكارية الكبرى إلى العمل على تجاوزه من خلال استثماراتها في الدول المتخلفة التي تتمتع بثروة طبيعية كبيرة وكذلك توفرها على يد عاملة شابة ذات أجور منخفضة والمهيئة للتأهيل والتحكم في التكنولوجيا مقارنة بأجور اليد العالمة الموجودة في الدول الصناعية وما تعانيه هذه الشركات من مشاكل لا سيما تلك المتعلقة بالنقابات والجمعيات لا سيما المدافعة منها عن البيئة.


لقد وضعت هذه الأطروحة في مرحلة تاريخية تعد من أهم المراحل وذلك سنة 1933، حيث برزت إلى كتلة منافسة قوية والمتمثلة في الكتلة الاشتراكية المتواجدة في أوروبا وتغطي مساحة كبيرة هامة من ناحية، ومن ناحية أخرى التطورات التي تشهدها أوروبا وبروز الصراع مع أمريكا لا سيما تلك المتعلقة بالشؤون النقدية والمالية، في ظل هذه التطورات برزت هذه الأطروحة والتي ركزت كما أسلفنا على اختلاف الأسعار النسبية وانعكاساتها على المبادلات المتخصصة وكذلك انعكاساتها على مكافأة العوامل الداخلة في إنتاجها (83: 1990 A.SA-MUELSON)، فقبل الحرب العالمية الأولى، عملت الولايات المتحدة الأمريكية جاهدة على منافسة بريطانيا في المجال التجاري والمالي في المجال الدولي، وبالرغم من قوتها -أي أمريكا- إلا أنها كانت عاجزة عن تحقيق ذلك لكون لندن كانت بمثابة المركز الرئيسي المؤثر في هذه المجالات، لا سيما من خلال القوة التي تتمتع بها بورصة لندن، بينما كانت بورصة نيويورك مجرد بورصة بوطنية ورجال الأعمال الأمريكيين لم ينطلقوا بعد في تمويل التجارة الدولية بالرغم من ضخامة الرأس مالي الأمريكية التي شرعت في القيام بعمليات الاستثمارية في الخارج إلا أن الدولار لم يكن مقبولا كعملة احتياطية وهذا سر النزاع مع إنجلترا لكون الجنيه الإسترليني هيمن على المعاملات الدولية، أما الفرنك الفرنسي في تلك الفترة، لم يكن له دور كعملة دولية بالرغم من كون باريس تعد مركز هام في ذلك الوقت، حيث كان يعتبر الفرنك عملة نادرة، ولقد برزت المنافسة بين لندن ونيويورك فسيطرة مركز لندن يعد نتيجة لتطور تاريخي طويل.


أما الدور الجديد لنيويورك فقد جاء نتيجة للحرب العالمية الأولى، إذ قبل 1914 كانت لندن تقوم بدور التسويات على الصعيد العالمي، وبعد انتهاء الحرب ونتيجة للحاجات الضخمة للدول المتحاربة دفع بها الأمر إلى استيراد المواد الغذائية والتجهيزات الأمريكية ولتمويل تلك العمليات قام الأوروبيون بتصفيته جزء من مديونيتهم على المدى الطويل تجاه أمريكا، وهذا ما لم يتطرق إليه (هيكشر أولين) في أطروحتهما بالرغم من كونها أعدت بين 1919 بمقالة (لهيكشر) في كتاب (أولين) في سنة 1933 إلا أنها لم تتعرض للدور النقدي وتسويات المعاملات التجارية بل اكتفوا فقط في البحث في دافع قيام التجارة الدولية وشروط التخصص تم إدراج التسويات النقدية في طروحاتهم.

الهيمنة من خلال الأطروحات المعاصرة

بدأت الأطروحات المعاصرة في البروز في الفترة ما بين الحربين، وذلك نظرا للتطورات التي شهدتها المعاملات الدولية والصراع الذي تجلى من خلال ذلك بين إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما بعد أزمة التعاون الدولي وفشل المؤتمر الدولي في لندن سنة 1933 الذي أدى إلى زيادة المصاعب التي نجمت عن الركود الاقتصادي ما بين 1919-1933 (140: 1968 MAUVAIS) لا سيما وأنه طبع الاقتصادي العالمي وقد سعت هذه الدول منذ 1920 إلى البحث عن صيغة وسطية ترضى جميع الأطراف، وفي هذا السياق نذكر مؤتمر (جنوة) الذي يمكن اعتباره المحاولة الأولى في طريق إرساء قواعد النظام النقدي لفترة ما بين الخربين والذي تم التحضير له بناء على توصيات مؤتمر بروكسل حيث اقترح فيه -أي مؤتمر جنوة- إنشاء هيئة دولية تكون تحت تصرف الدول الراغبة في الحصول على القروض من أجل تغطية وارداتها الأساسية، بالمقابل يجب على هذه الدول تقديم الضمانات الكافية، كما اقترح تثبيت قيمة الذهب للعملة لتفادي العوامل الكسادية مسايرة لحركة المبادلات الدولية بالإضافة إلى جملة أخرى من الاقتراحات (خالدي 1992: 45) إلا أنها لم تجد الطريق إلى التنفيذ والتطبيق وهذا بسبب التحولات الهيكلية الاقتصادية والمالية التي يشهدها العالم نتيجة لاستراتيجية بمثابة انهيار مالي انعكس سلبا على اقتصاديات الدول المتقدمة ونجم عن إفلاس عددا كبير من المصاريف وكذلك المؤسسات الصناعية فكانت بذلك أزمة العصر إذا لم يشهد الاقتصاد العالمي أزمة شبيهة لها رغم تعددها.

وفي خصم هذا الوضع المتأزم، سعى المهتمون بالاقتصاد إلى البحث في خلفيات هذه الظاهرة من خلال وصف وتحليل البيئة الاقتصادية في المناطق المتقدمة (صامويلسون 1993: 296) وهكذا ظهرت النظرية العامة للاستخدام والفائدة والنقود لكينز والتي سعى من خلالها إلى تفسير التوازن في حالة التشغيل الكامل واختلاف مع سابقيه جهة وجود توازن في حالة التشغيل الناقص وبالتالي بين وجود نوعية من التوازن، كما بحث في الأسعار الحقيقية واختلاف مع التقليديين الذين ربطوها بالقيمة والإنتاج إذ برهن على وجود نظرية عامة للأسعار بالدلالة النقدية وبعبارة أخرى النظرية الكمية (1952: 23 BARRERE) وعليه فإن نظرته تعد بحق ثورة في المجال الاقتصادي بصفة عامة، وعموميتها تبرز من خلال التوازن لمختلف مستويات التشغيل وفي هذا السياق بحث (كينز) في حجم المبادلات الدولية والتي تظهر من خلال اختلال الميزان التجاري لمفهومه الواسع ولفهم ذلك فإن التحليل الكينزي مبني على إبراز أثر الدخلي المضاعف (93: 1990 SAMUUELSON)، ويمكن ترجمة ذلك بالمخطط رقم (03):

ومن أجل الحصول على رصيد ميزان المدفوعات فإنه يجب التمييز بين العوامل المتغيرة للعوامل من ناحية المتغيرة الدولية فيكون لدينا:
Y - C = X -M

وإذا جعلنا: Y - C + S
حيث: S يمثل الادخار
فإنه يصبح لدينا: S - I = X - M
وعليه فإنه في اقتصاد مفتوح يمكن أن نميز بين المتراجحات التالية:
الميزان في حالة عجز: M > X I >S
الميزان في حالة فائض: X > M >I S
مما سبق يمكن صياغة معادلة المضاعف وذلك على النحو التالي:

= CO + IO + (X - M) Y = I
I - C

حيث :
:CO تمثل الاستهلاك المبدئي.
:IO تمثل الاستثمار المبدئي.

K Λ X = I Λ X
I - C

مما سبق فإن الواردات تتغير وفق مستوى النشاط المتمثل في الدالة.
M = F (X) والتي يمكن تعريفها بالميل المتوسط للاستيراد (M/Y) وكذلك بالميل الحدي (Λ M/Λ Y) والذي بواسطته يتم حساب تغير الواردات التي يحفزها تعديل الدخل الحقيقي والذي يكون له أثر مباشر على واردات العوامل من ناحية، كما يكون له أثر رجعي غير مباشر على الصادرات.

ولقد تمكن كينز من تحديد العلاقة بين السياسة النقدية ومدى تأثير الطلب الإجمالي، فهو بذلك يكون قد ملأ الفارغ الذي ساد الأطروحات السالفة الذكر وقد بين ذلك وفق المخطط التالي (حميدات 1995: 85).

فالبنك يتحكم في الكتلة النقدية M وكذلك معدلات الفائدة I وهذا الأخير يؤثر بدوره على الاستثمار الذي يتحكم في إجمالي النفقات و أخيرا تظهر لنا أثر المضاعف في العلاقة القائمة بين التغير المستقل للنفقات الاستثمارية و والتغير النهائي للطلب الإجمالي الناتج عنه الذي يترجم العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات وذلك عند مستوى الدخل الذي يعد -بالنسبة لكينز- كوسيلة من وسائل التسوية من ثمة نجد أن السلطات ملزمة للحفاظ على ثبات سعر الصرف بشكل حازم، وهذا يهدف تحقيق التوازن ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق إجراء سياسة نقدية تقييدية أو عن طريق بيع العملة في السوق الحرة (حميدات 1995: 72) وعليه يرى كينز بأن تقليص حجم الكتلة النقدية يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة فتنخفض الاستثمارات وهذا يؤثر سلبا على الطلب الإجمالي بفضل المضاعف والعكس صحيح وعليه فإن سعر الفائدة يمكن اعتباره أداة رئيسية للتسوية باعتباره يؤثر في حجم الرصيد النقدي لا سيما في المدى القصير، إذ بارتفاعه بالنسبة إلى الأسعار الأجنبية يسبب في تقليص الرصيد النقدي لا سيما وأن طلب الاحتفاظ بالنقود يقسمه كينز إلى قسمين منها الأرصدة المطلوبة من قبل الأفراد والمؤسسات بهدف القيام بصفقات ومنها ما يطلب للإحتفاظ بها كثروة.

وخلاصة للقول فإن تغيرات الدخل الوطني الناتجة عن المبادلات الدولية، غالبا ما تؤدي إلى إدخال تعديلات جزئية في ميزان المدفوعات والتي تؤثر على أسعار المنتجات كما تؤثر في معدلات الصرف.

مما سبق، قام كينز بربط التجارة الخارجية بالدخل وبين بأن الفائض يؤدي بالضرورة إلى تباين الدخل فهو في ذلك يذكرنا بالمذهب التجاري الذي أكد على تنامي الثروة من خلال تحقيق الفائض في الميزان التجاري، لكن الاختلاف واضح بينهما فأطروحة كينز استندت إلى المنهج العلمي في التحليل وأكدت على دور النقود من خلال وظائفها غير المعهودة حتى عند الكلاسيك، وعلى نفس المنوال عملت مدرسة شيكاغو من خلال المفكر (ميلتون فريدمان) M . FREIDMAN على وضع تصور جديد للطلب على النقود، إذ يعتقدون بأن الطلب على النقود هو طلب لأشكال معينة ومحددة من رأس المال، المرتبطة أساسا بالقدرة الشرائية (431: 1970 PIETTRE) فمدرسة شيكاغو تختلف في تحليلها عن الطريقة التي انتهجها كينز لا سيما عند تحليل الطلب الإجمالي وعلاقة الإنتاج بمستوى الأسعار وعليه تقوم بتقديم ميكانيزم فوري وواضح تسمح للسياسة النقدية من التأثير على الإنتاج والأسعار إذ تؤدي إلى ارتفاع منحنى العرض الإجمالي وعلى العكس يكون ميل منحنى الطلب أقل حدة وبالتالي تطبيق سياسة استقرار انكماشية تكون قليلة الفعالية لمواجهة التضخم بل تؤدي إلى انخفاض في الإنتاج، لذا يعتقد النقديين بأن كل سياسة توسعية تؤدي إلى ارتفاع الأسعار مقابل ارتفاع أقل للناتج الداخلي الإجمالي ومنه فإن السياسات التقييدية أكثر فعالية في التخفيض المحسوس للتضخم دون التأثير سلبا على الإنتاج الحقيقي، ومادامت التجارة الخارجية تتطلب وجود أسعار صرف تربط بالعملة المحلية بالعملات الأجنبية لأن هذه العمليات تمتص القطع الأجنبي، أو تجلبها وهذا حسب وضع الميزان التجاري وهذا ما يبين العلاقة المتينة بين إجمالي الواردات من السلع والخدمات من جهة وإقرارات الديون من جهة أخرى، وعليه فإن حركة الرأسمال في المدى القصير أو الطويل يمكن أن تعوض كليا أو جزئيا الرصيد الصافي للعمليات الجارية، وعليه فإن إلتزام بالدفع تسمح بتحقيق التوازن النهائي للعمليات الرأسمالية الجارية (صامويلسون 1993: 51) إلا أن القدرة على التسديد ليست ممكنة في كل الأحوال وهذا ما يدفع بكثير من الدول إلى اللجوء إلى الاستدانة من تصحيح الاختلال وقد أدى ذلك إلى تفاقم مديونيتها وهو ما تعاني منه اليوم جل الدول المتخلفة، وهكذا أصبحت ملزمة بإتباع سياسات تفرضها عليها الأطراف الدائنة -كما سنرى- وهذه السياسات تنطلق جميعها إما من الطرح الكينزي وإما تشتقه من طرح النقوديون -لا سيما وأن فلسفة هذين الاتجاهين يعتقد بأن مستوى الأسعار يكون متناسبا مع الكتلة النقدية، هذتا ما يؤكد بأن الديون تعد عاملا حساسا في تحديد ظاهرة الهيمنة.

وفي هذا السياق نقدم مثالا توضيحيا من أعماق التاريخ المعاصر حيث أصبح لدى أصحاب رؤوس الأموال سنة 1914 الخيريين عديدة بالعملات الرئيسية القابلة للتداول لا سيما وأن البنك المركزي الإنجليزي كان يسير العملات الأجنبية باحتياطي طفيف للذهب ودون أن يكون للسلطات النقدية أي قلق من المديونية الخارجية على المدى القصير لمجموع البنوك إلا أنها -أي السلطات النقدية- عملت على أن تكون إجمالي المديونية على المدى القصير القابلة للتمويل إلى ذهب في شكل سيولة لا تتجاوز الموجودات من الذهب، إلا أنها فشلت في تحقيق ذلك وهذا ما أدى الاختلال الكبير الذي عرفه ميزان المدفوعات الإنجليزي بعد سنة 1919 أي بعد الخروج من الحرب العالمية الأولى وازدياد الطلب على استيراد المواد الغذائية والسلع و التجهيزية من الولايات المتحدة الأمريكية، فلأصبح التسديد يتم بالذهب ويقترضون بالدولار الأمريكي وهذا ما جعل السلطات النقدية في الولايات المتحدة يركزون في تسطير سياساتهم النقدية على عمليات الخصم وإدارة الودائع الأجنبية وكذلك الاستثمارات الخارجية على مدى الطويل.

ولم تقتصر المعاملة على إنجلترا بل شملت معظم بلدان أوروبا، إذ قاموا بتقديم شروط مشجعة لرفع حجم مبادلاتهم مع ألمانيا ووسط أوروبا بتسهيل القواعد العادية المتبعة في العمليات المصرفية وهكذا فرضت أمريكا آلياتها وأسعارها المنافسة وهذا يعني زيادة السيولة الدولية، وقد آثر سلبا على إنجلترا التي ازدادت مديونيتها بسبب النفقات وهذا في شهر سبتمبر 1931 حيث انخفضت أسعار الجملة بنسبة 25% وارتفعت نسبة البطالة من 10.3% في أكتوبر 1929 إلى 22.4% في سبتمبر 1931 أما ميزان المدفوعات فقد تعرض إلى عجز قدره 104 مليون جنيه في نفس التاريخ بعد أن كان فائضا بقيمة 28 مليون جنيه عام 1930، كما انخفضت الصادرات 46% من حيث قيمتها و 33% من حيث الحجم (115: 10968 MAUVAIS)، هذا ما دفع بالحكومة إلى تشكيل لجنة سميت (لجنة ماي) MAY COMMITTEE من وضع سياسة ميزانية ترجعها إلى حالة التوازن، وقد اقترحت هذه اللجنة سياسة تقييدية ضد الكساد في فترة الركود الاقتصادي.

كما قام البنك المركزي البريطاني بتخفيض سعر الخصوم إلى حدود 25% عندما كانت احتياطات الذهب تبلغ 148 مليون جنيه فقط وهذا ما يفسر عدم التجانس بين التوازن الداخلي والخارجي، وهكذا اعتبارا من سبتمبر 1931 انهارت قاعدة الصرف بالذهب (GES) والتي شكلت عاملا جيدا في الكساد العالمي، وقد أدى ذلك إلى ظهور المناطق النقدية (Les Zones monétaires) فكثير من البلدان التي ارتبطت بالجنيه للاحتفاظ بسعر صرف ثابت بين عملاتهم الوطنية والجنيه الإسترليني وهكذا ظهرت منطقة الجنيه، كما ارتبطت بلدان أمريكا الوسطى والجنوبية بالدولار الأمريكي مشكلة بذلك منطقة الدولار وذلك بين أفريل 1933 إلى جانفي 1934، أدى هذا التدهور إلى عقد مؤتمر اقتصادي عالمي في لندن في فترة جوان -جويلية 1933 حضرته 66 دولة من أجل مناقشة سبل العودة إلى قاعدة الذهب وقد وضعت للعودة ثلاثة شروط وهي:

1-ارتفاع الأسعار العالمية.
2-إلغاء القيود على المبادلات الدولية وتخفيض الرسوم الجمركية.
3-ضرورة إبرام اتفاق دولي للاقتصاد في معدن الذهب خلال التعاون بين البنوك المركزية.

إلا أن البلدان التي لها رصيد هام من الذهب فضلت تخفيض التكاليف بدلا من ارتفاع السعار وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى ركود اقتصاد ركود اقتصادي وهذا ما أدى إلى فشل لندن لا سيما بعد أن اتخذت أمريكا موقف لصالح الاستقرار الاقتصادي الداخلي على حساب استقرار أسعار الصرف، وهذا دفع بريطانيا ومجموعة الكومنولث إلى إعلان رغبتها في تطوير المبادلات ضمن السياسة المرسومة في اتفاقية (أوتاوا) لكن كل هذه النداءات باءت بالفشل إلى غاية 25-09-1936 حين قامت أمريكا وإنجلترا أو فرنسا بتوقيع اتفاق إلى إعادة الاستقرار إلى سعر الصرف يحدد تحويل النقد القابل للتحويل إلى ذهب فقط لصالح البنوك المركزية وقد انضمت بلجيكا إلى هذا الاتفاق وهولندا في نوفمبر 1936.

مما سبق يتبين لنا الدوافع الحقيقية التي جعلت كينز ومدرسة شيكاغو يؤكدون على العلاقة التجارة الخارجية والنقود إلا أن هذه النظريات لم تتوقف عند هذا المستوى بل وجدت نظريات أخرى في العصر الحالي أظهرت العلاقة بين التجارة الخارجية ودافع التوسع نتيجة الاختراع والتحديث ومنها من اعتمدت على دورة المنتج في إبراز أهمية التجارة الخارجية فما هو محتوى هذه الأطروحات؟ وكيف يمكن استخلاص متغيرات الهيمنة من خلالها؟

إذا كان الكلاسيك والنيوكلاسيكيون في عرضهم لأطروحاتهم للتجارة الدولية قد استندوا في تحليلهم لكفاءة الإنتاج أي عالجوا الموضوع من جانب العرض، فإن كينز لم يختلف كثيرا عن التجاريين إذ ربط تنامي الدخل الوطني بالفائض التي يتم تحقيقه في الميزان التجاري، إلا أن بعض المعاصرين قد أخذوا بعين الاعتبار جانب الطلب بالإضافة إلى العرض نذكر منهم (Rymond Ver-non) وأكاقام كماتسو A.AKAMATSU بينما يفسر (ليندر) المبادلات الدولية بالتركيز على الطلب الذي يلعب دورا أكثر ترجيحا.

لقد أطلق على نظرية (ليندر) تسمية "درب التوسع النوعي للسوق" "Sentier d'expansion typique du marché" حيث يعتقد بأن تسلسل المنتجات المستوردة مقيدة بطلب العوائل، وهذا شرط ضروري إلا أنه غير كافي -وهذا حسب فرنون- ذلك لأن المنتوج إما يوجه إلى الاستهلاك أو الاستثمار في البلد المنتج (أي الأصلي) حتى يصبح قابلا للتصدير، وعليه فإن الصناعي لا يتخذ قرار الإنتاج إلا إذا تأكد من أن ما ينتجه سيستجيب للحاجات الاقتصادية سواء الداخلية أو الحاجات الاقتصادية في الخارج (35: 1982 CRHEBINE) وهذا ما يؤدي به إلى توجيه منتجاته إلى سوق العوائل ومنه سيعمل بالبحث على منافذ بعد ا، تكون هذه السوق قد بلغت درجة الإشباع أو الاكتفاء، وفي هذا السياق لاحظ (ليندر) أنه مهما كانت حصة الإنتاج المخصصة للتصدير فإن ذلك يمثل نهاية رئيس بداية درب التوسع النوعي للسوق، فعليه فإن السوق الدولية لا تمثل سوى توسعا خارج النطاق القطري للنشاط الاقتصادي الوطني، ومن ثمة فإن سوق العوائل يمثل التغير الذي يتم فيه اختيار الاختراعات في حالة اجتيازها متاح لهذا الاختيار بأن يصبح المنتوج قابلا للتصدير، فتحقيق هذه الغاية لا يمكنها أن تتم بين دول متجانسة، ‘ذ توجد دول لها كفاءة عالية في ترشيد مواردها تماشيا مع الأسعار وفرص التصدير بنما تمتاز دول أخرى بعدم الرشادة في توجيه وتخصيص الموارد وهكذا يصل إلى نتيجة مفادها أن هذين الصنفين من الدول مضطرة للقيام بالتبادل لاختلاف نسب عوامل الإنتاج فيما بينها فهو بذلك يؤكد مقولة (أولين) من ناحية كما يعترف بفكرة الميزة النسبية (أريكارتو) من ناحية أخرى وإلا أن العديد يتمثل في السعي وراء الربح من طرف المنظمين الذي اعتبره -أي في الربح- كعائد يتقاضاه هؤلاء نتيجة للاختراع وهذا ما يعتقد به شومبيتر حين اعتبر الربح كعائد للمخترع إلا ما يهمنا في هذا المقام أن (ليندر) أكد على نظرية تفسير المبادلات التي تتم بين السلع ذات الطابع الصناعي مع المواد الأولية والتي فسرها -كما أسلفنا- بالنسب المختلفة لعوامل الإنتاج وهذه الحركة تعكس عملية تصدير الفوائض، وهكذا نخلص إلى أن (ليندر) أشار ضمنيا إلى فكرة التخصص وتقسيم العمل الدوليين وضرورة بروز مجموعتين من الدول، أين تتخصص الأولى في تصدير السلع الصناعية بينما تخص المجموعة الثانية في تصدير المواد الأولية وهذا عكس (ريكاردوا) الذي أكد على تقسيم العمل بين الدول صناعية وأخرى زراعية، وعليه سنحتفظ من هذه الأطروحة باحتكار الاختراع وضرورة البحث عن المنافذ التي ستمتص فوائض الإنتاج الصناعية، وفي هذا السياق تحدث (ديشان) Lassudrie-Duchene عن طريق اختراع الأسواق الأجنبية من أجل الاحتكار (37: 1982 GRJEBING) بالإضافة إلى الأطروحة السابقة، نجد أطروحة أخرى لا تقل أهمية والمتمثلة في أطروحة دورة المنتج Cycle de production (لفرنون) Rymond Vernon الذي ركز على عامل الابتكار والتحديث الذي يعطي امتيازا تجاريا وهذا لمدة طويلة وهذا ما يعبر عنه اليوم بالفجوة التكنولوجية، ولقد عمم (فرنون) هذه الفكرة في مجال الصادرات والاستثمار المباشر بالخارج وهذا من خلال دراسته للمشروعات الأمريكية في أطروحته دورة المنتج إذ توصل إلى أن الإنتاج يمر عادة بمجموعة من المراحل الانطلاقة والنمو التي تناسب إدماج المنتوج في السوق من خلال توزيعه والإقبال عليه أي ازدياد الطلب فيؤدي إلى انتشاره فيشجع ذلك الدول المتخلفة لأسباب عديدة منها انخفاض الأجور وارتفاع أسعار المعدات ولا سيما إذا كان المنتوج المستهدف يعتمد على كثافة عنصر العمل، وهكذا يتضح لنا أن المنتوج يضع في الدولة صاحبة الاختراع ثم يخترق الأسواق فيعود عليها بالربح الكبير -وهذا وفقا لنظرية )شوميتر)- ثم ينتشر عن طريق المحاكاة، وهذا ما يدفع بالمشروعات إلى التفكير في إنشاء الفروع في الدول المتخلفة أو حتى الدول المصنعة، وهذا يوضح أن دورة المنتج أثبتت سهولة حركة رأس المال وقد وصل إلى هذه النتيجة لاعتماد المنهج التجريبي -كما أسلفنا- من خلال تطبيق دراسته على جملة من المشروعات الأمريكية المتفوقة في هذا المجال.

خلاصة:
مما سبق يمكن استخلاص نتيجة هامة أن الفكر المعاصر المتمثل في هذه الأطروحات قام بتفسير التجارة الدولية انطلاقا من سلوك المنتج من ناحية وسلوك المستهلك مع الاعتماد على فكرة الطرق المطبقة في اختراق السوق الدولية من خلال توفير المنتجات الموجهة لقطاع العوائل سعيا وراء تعظيم الأرباح الوسيلة المطبقة من أجل تحقيق ذلك تتمثل في اعتماد الاختراع والتجديد اللذين يمكن فيهما تفوق الدولة المصنعة اليوم عن الدول المتخلفة وهذا ما نسميه بالتفوق التكنولوجي وهو ما يمكن اعتباره من التغيرات التي نستند إليها في تحديد معالم ظاهرة الهيمنة محل الدراسة، وهكذا فقد عالجت هذه الأطروحات موضوع الدراسة في إطار متأثر بتحليل المدرسة الكلاسيكية لتأكيده على اختلاف النفقات النسبية، كما استغلوا نسب عوامل الإنتاج (لهيكشر وأولين)، وعليه ساهموا من خلال إضافة فكرة اختراق السوق الدولية واستخدام التقنيات الرائدة مع اعتماد التحديث والاختراع بهدف الاحتكار فهم بذلك لا يختلفون عن المفكرين السابقين لأنهم أخفوا ظاهرة الهيمنة في تحليلهم وعملوا على إبراز الجوانب الإيجابية للتجارة الخارجية وهذا ما جعلنا نصفهم بالاتجاه الإيجابي في المجال وعليه نتساءل عن الكيفية التي تعامل بها أصحاب الاتجاه المضاد في نظريتهم للتجارة الخارجية وما هي أهم أفكارها وهل يمكن استخلاص متغيرات الهيمنة من خلال عرض أهم معالم أطروحاتهم؟
الهيمنة من خلال أطروحات التجارة الدولية للفكر الماركسي
(الاتجاه المضاد)

مقدمة:
لقد أثار (إبن خلدون) مشكلة الهيمنة في مواطن عديدة من مقدمته، فتمثلت في الجباية وممارسة التجارة من طرف الطبقة الحاكمة، إلا أنها توضح أكثر عندما أصبغ عليها الطابع السيكولوجي من خلال الباب الذي خصصه لدراسة اقتداء المغلوب بالغالب، ومن باب الإنصاف فإن المدرسة الماركسية، فضحت منذ البداية المعاملات الرأسمالية وأزاحت اللثام عنها، ورغم أن كارل ماركس لم يتطرق إلى إشكالية التجارة الدولية بل اكتفى بتقديم ملاحظات عابرة (سمير أمين 1984: 110) من بينها قوله: "…… يقولون لنا أن التجارة ستؤدي إلى تقسيم العمل الدولي، وستمد لكل بلد صنف الإنتاج الملائم لزيادة الطبيعية، لعلكم تحسبون أيها السادة، أن إنتاج القهوة والسكر دعوة طبيعية للهند الشرقية (يقصد الشركات العالمية)، منذ قرن خلى لم تنبت الطبيعة -التي لم يكن لها أي عمل قبل التجارة هناك - لا أشجار القهوة ولا قصب السكر (ماركس ج4: 417)، حيث أن اهتمام الدول الرأسمالية انصب على الزراعة المواجهة للخارج Extravertie والتي تخدم مصلحة المتربول والتي تستغله للقيام بعمليات النهب وتوسيع الفجوة بينها وبين هذه البلدان من خلال فرض الهيمنة عليها أو عليه فقد أكد ماركس على موضوع الهيمنة رغم أنه لم يتعرض إلى موضوع التجارة الدولية بل اقتصر كما ذكرنا على ابتداء ملاحظات عابرة وهذا -حسب اعتقادي- ضعفا لا تفاديا كما يقصد البعض (1) ذلك أن التجارة الدولية جزء هام من ميكانيزمات النظام الرأسمالي الذي كرس ماركس أبحاثه لنقده إذ ركز على مواضيع عديدة مثل بلورته لمفهوم القيمة وما يكتنفها من عوامل مؤثرة فيها كالأجر والسعر والربح، كما انكب ماركس على الاهتمام برأس المال واعتقد بعد حركيته مثله في ذلك مثل التقليدين، كما اهتم ماركس بمشكلة الطبقية وأكد وجود طبقتين في هذا النظام لا ثالث لهما، الأولى تمثل طبقة مالكي وسائل الإنتاج -أي الطبقة البرجوازية على حد تعبيره- والثانية تمثل طبقة المعدومة- أن البروليتاريا- ويرى بأن المستعمرات على أنها امتداد طبيعي للدول الاستعمارية آنذاك، إذ لا يفرق بين الرأسمالية الوطنية والرأسمالية الأجنبية كما لا يفرق بين قوة العمل الوطنية، وقوة العمل الأجنبية، ومن ثمة حاول ماركس ترسيخ فكرة مفادها أن العالم لا ينقسم إلى كيانات قطرية بقدر ما تنقسم إلى برجوازية مهيمنة وطبقة معدومة مهيمن عليها، وما هذه النظرية في الواقع إلا موقفا إيديولوجيا لما يسمى بمفاهيم الطبقات الاجتماعية (عبد المولى: 1990:29) والنضال الطبقي وكذلك التناقضات الطبقة إلا أن هذه المفاهيم ولى عهدها لانعدام التناحرات الاجتماعية (عبد الشفيع 1986: 69) لكنه من باب العدل والإنصاف فإن ماركس أما هذا اللثام عن جوهر النظام الرأسمالي الذي نمى من خلال استنزاف طاقات وقدرات الدول التي تعيش اليوم في حلقة مفرغة من التخلف واعتمدت أسلوب المدنيات الأولى وكأن التاريخ يعيد نفسه، وهذا ما جعلنا نقر بدوريته، ورغم تجنبه وتفاديه لموضوع التجارة إلا أن الذين حلوا حلوه قدموا أطروحات في هذا الموضوع، وكان قصب السبق في ذلك (للبنين) الذي تعرض لهذا الموضوع في مؤلفه الإمبريالية أعلى مراحل الرأس المالية وكذلك بوخازين وروزا الكسبورغ فأطروحتهم في الإمبريالية تعد أهم الأعمال التي كشفت عن طبيعة العلاقات الاقتصادية الدولية القائمة، وعليه نقوم بتسليط الضوء عليها للاستخلاص الطرق المستخدمة في تحديد الظاهرة محل الدراسة ونعتمد لذلك الخطوات التالية:

- الهيمنة من خلال أطروحة للبنين.
- مساهمة بوخازين في تشخيص قاعدة الإمبريالية.
- الأطروحة الكسمبورغية في الإمبريالية.

الهيمنة من خلال أطروحة لينين في الإمبريالية
ورد إصطلاح الامبريالية في قاموس لاروس الصادرات ينة 1931 الذي حددها على أنها مذهب سياسي يهدف إلى توطيد العلاقات التي تربط بريطانيا ومستعمراتها من جهة وتوسيع مجال نفوذها من جهة أخرى (03: 1980 BRAILLARD) لكن (لينين) جعل منها معادلة حقيقية إحدى الأطراف تمثل الامبريالية بينما الطرف الآخر يمثل الرأسمالية في أعلى مراحل تطورها (1) ولذا فإنها تعد الاطروحة الأكثر مرجعية وشيوعا في الفكر الماركسي إلا أنها لاتعتبر الوحيدة، فقد قدم (شومبيتر) مساهمة حيث إعتبر الامبريالية سلوكا توسعيا لدولة خارج حدودها الإقليمية، إلا أنه يرفض أن يربط بين الإمبريالية والرأسمالية، بينما إعتبر هوبسون الامبريالية الاصطلاح ذاته لدراسة الرأسمال المالي أي المصارف –والدور الجديد الذي تلعبه البنوك في تطور تركيز الانتاج والتحول من الرأسمالية الانافسيى إلى المرحلة الاحتكارية، وهذا سمح للبنوك بأداء دورها في تنظيم الانتاج الرأسمالي وتوجيهه (22: 1980 BRAILLARD)، أما (لينين) فإنه أولى أهمية قصوى للإقتصاد الرأسمالي لإبراز أساليب الاستغلال التي يسلكها هذا النظام وهكذا فإنه يرى بأن الامبريالية هي الرأسمالية في مرحلتها الإحتكارية والتي تمتاز بالخصائص التالية:

1-تركيز الانتاج والرأسمال بدرجة عالية والذي يتيح الفرصة لنشوء الشركة الاحتكارية.

2-اندماج الرأسمال المصرفي الصناعي من أجل الحصول على رأسمال المالي –الطغمة المالية على حد تعبيره-.
3-تصدير رأس المال وتفضيله على تصدير البضائع.

4-التقسيم الاقتصادي ما بين الاحتكارات عن طريق تكوين اتحادات رأسمالية احتكارية في شكل ترست أو كارتل.


(1)-الكتب لينين مؤلفة سنة 1916 بهدف تفسير جوهر النزاع العالمي من جهة وخيانة جزء من الطبقة العاملة الأوروبية بسبب مشاركتها في الحرب العالمية الأولى من ناحية أخرى، وهذا من أجل تبرير دوافع القيام بالثورة والتي من شأنها تغيير الوضع القائم.

5-نهاية التقسيم الإقليمي للعالم فيما بين الدول العظمى.

هذه الخصائص، تجعل الإمبريالية تمتاز ببعد اجتماعي، ثقافي وعسكري، وعليه فإن الهيمنة لا تقتصر فقط في الجانب الاقتصادي ممثلة في حركة الرأسمال والسلع، بل تفرض هيمنة سياسة لتثبيط الموجة التحريرية بما تحمله الكلمة من معنى، كما تأخذ الهيمنة طابعا عسكريا التي تعكسها عملية الاحتلال واقتسام العالم بين الدول المتقدمة، وهي ذات طابع اجتماعي لتفضيل العنصر الأوروبي على ما سواه من الأجناس، وعليه فإن الهيمنة تنطوي تحتها هذه الخصائص مجتمعة فالإمبريالية هي بمثابة البناء الفوقي للرأسمالية (عبد الشفيع 1986 109) والجدول التالي يترجم ذلك.
.
التقسيم الإقليمي ونظام المستعمرات


أشكال الهيمنة الكولونيالية أهمية المستعمرات بالنسبة للدول الإمبريالية
1-المستعمرات
2-المحميات
3-مناطق الانتداب
4-أقاليم تحت الوصاية
5-تبعية المستعمرات -المواد الأولية -قوة عمل رخيصة.
-أسواق لبيع السلع -الاستثمار المباشر
-توظيف رأس المال
-تصدير اليد العاملة إلى المترويولات
-قوى عسكرية استراتيجية.

المصدر: صماويل عبود: الاقتصاد السياسي للإمبريالية، ص: 108.

لقد شرح لنين العلاقة الموجودة بين المستعمرات وتصدير الرساميل حيث يقول (عبد الشفيع 1986: 118) بالنسبة لإنجلترا فإن مستعمراتها تحتل الدرجة الأولى وهي كثيرة فضلا عن آسيا وإفريقيا، ويختلف وضعها عن وضع فرنسا التي وظفت رأس المال في أوروبا وبصورة رئيسية وبالدرجة الأولى في روسيا وفي معظمه يأخذ تصدير الرساميل شكل القروض، بينما الإمبريالية الإنجليزية فإنها قائمة على حيازة المستعمرات، وعليه يمكن اعتبار الإمبريالية الفرنسية أنها إمبريالية، وعليه يعكس هذا التوجه سلوكات المشروعات الكبرى لا سيما من خلال يحثها عن أسواق جديدة من أجل تعظيم أرباحها من ناحية والتحكم في مصادر التموين بالمواد الأولية، وهذا ما يفسر اندماج الرأسمال المصرفي بالرأسمال الصناعي وهذا وجه من أوجه الاحتكار والمتمثل في عملية الإقلاع أو الامتصاص.

وعليه لا يمكن الحديث عن الإمبريالية في غياب الأسواق الخارجية، ومن ثمة يمكن استخلاص معالم الهيمنة عند لينين المتمثلة في العناصر التالية:

1-إقامة المستعمرات من خلال تقاسم الأرض إقليميا ما بين الدول الكبرى.
2-دور الاحتكارات التي ظهرت نتيجة لتركز وتمركز الإنتاج ولرأس المال.
3-حرية حركة الرساميل وتنامي تصديرها عوضا من تصدير البضائع، حيث تصدر رؤوس الأموال إما بهدف الاستثمار المباشر أو في شكل قروض.


وعموما فإن هذه الأطروحة قد ضفى عليها طابع التحليل الإيديولوجي، إلا أنه يمكن قبولها كإطار للدراسة التاريخية اهتمت بالتنظير في مجال دراسة العلاقات الاقتصادية الدولية، وعليه فإنه من الأهمية بمكان عرض أفكار (بوخارين) الذي عالج نفس الموضوع في إطار العلاقات الاقتصادية الدولية مركزا مقولته على سبل تدويل رأس المال، فما هو الاختلاف الذي تم استخلاصه يبين هذين الطرحين؟ وما هو مفهوم الإمبريالية وما هي طبيعتها وما هي الأدوات التي استخدمها في التحليل؟ وهل استخلص معالم أخرى للظاهرة محل الدراسة من خلال عرض أطروحة بوخارين؟

الهيمنة من خلال أطروحة بوخارين في الإمبريالية

لقد عالج لينين طبيعة وآليات وأثار الإمبريالية، والتي أدرجها تحت غطاء الهيمنة، فإن مساهمة بوخارين تمكن في تحليله لقاعدة الإمبريالية معتمدا في ذلك على دراسة عملية تدويل رأس المال في إطار بنية الاقتصاد على الصعيد العالمي، وفي هذا السياق يميز بوخارين بين، أحدهما تتم فيه المبادلات التجارية -أي تصدير واستيراد البضائع والخدمات- والآخر تتم فيه حركة رؤوس الأموال وذلك عن طريق تنظيم رأس المال تحت كتف الرأسمالي، والذي يتناسب مع التوسع الهائل والسريع للرأسمالية الاحتكارية وهذا يؤدي إلى سيرورة التكتل على المستوى الوطني ثم يتحول إلى صراع متنامي على مستوى السوق الدولي (24: 1980 BRAILLARD)، فالرأسمالي يستخدم كل دواليب الدولة التي تتكفل أيضا بضمان مصالح الاحتكارية الكبرى، وهكذا يتم الانتقال من سياسة التبادل الحر إلى السياسة الحمائية التي تعد أكثر واقعية وملائمة لهذه السيرورة، ذلك لأن المرحلة التنافسية تمتاز بوجود الحواجز الجمركية -أي الحماية- في مرحلة الاحتكار إلى التعميم لأنها تكون في خدمة الصناعات التي بإمكانها اختراق السوق الدولية بقوة، وفي هذا الإطار يقول بوخارين في مؤلفه: الاقتصاد العالمي والإمبريالية (24: 1980 BRAILLARD).. في أيامنا هذه، الأسلوب الحمائي العالي، ما هو إلا غطاء للدول يترجم السياسة الاقتصادية الكارتلات، و ما الرسوم الجمركية الحديثة إلا رسوما تعود بالفائدة على الكارتلات فهي وسيلة تستخدمها هذه الاحتكارات بهدف الحصول على ربح إضافي، لأنه من الواضح إذا كان السوق الداخلي خالي من المنافسة أو ضعيفة، فإنه بإمكان المنتجين رفع الأسعار وبذلك يتحصلون على أرباح إضافية تمكنهم إغراق السوق الخارجي وبأسعار اقل من أسعار الكلفة وعليه يمكن تفسير الرسوم الجمركية الحديثة لأنها أداة لحماية الصناعة الموجهة للتصدير هكذا تكون سياسة الحماية الجمركية في خدمة الاحتكارات التي تشجعها على التوسع وهذا ما نعكسه الاكتشافات الجغرافية وضم الأقاليم وهذا ما يدعم موقع الدولة الإمبريالية ويدعم مركزها الاقتصادي، ومنه فإن الفوائد التي تجنيها الاحتكارات من الحماية تسمح لها بتمويل سياسة الإغراق وكذلك محافظة منها على المنافذ المكتسبة في السوق العالمي، والتي هي مرتبطة إرتباطا وثيقا بإمكانيات الامتصاص للسوق الداخلية والتي يمكن تحقيقها من خلال مداخيل اليد العاملة، وبذلك يتم ارتفاع الطلب الإجمالي الوطني على السلع المعروضة، وعليه يتفق بوخارين مع (هيلفردينغ) على أن العامل المحدد فلإمبريالية يتمثل في تصدير رؤوس الأموال ويعتبره السبب الرئيسي لظهور الإمبريالية غايتها في آن واحد، وهذا ما أدى إلى تنامي التراكم كما أن التقدم التقني الهائل لم يكن ليتحقق لو لا ظهور الاحتكارات الكبرى وهذا عسر في البحث عن المنافذ وعليه أضحت طبيعية الإمبريالية تكمن في التناقض خلق الفائض وتحقيقه أو بعبارة أدق تصدير أدق وأصح بين تراكم رأس المال وحدود تراكمه (خالدي 1992: 77) ومنه فإن تصدير رأس المال يتوقف -حسب بوخارين- على معدل الربح الذي يستحقه دون البحث على سبيل تطوير الإنتاجية في البلد المصدر إليه، ولتحقيق ذلك حدد (بوخارين) العوامل التي تمثل آليات الإمبريالية نوردها على النحو التالي (خالدي 1992: 77):

1-يطابق تقسيم العمل الدولي مع تقسيم العمل الداخلي وذلك بين قطاعات الاقتصاد الوطني، ذلك لأن اقتصاديات بعض الدول تمتاز بقطاع صناعي متقدم ومحيط زراعي متخلف.
2-يعتبر تصدير الرساميل أساس قيام شبكة التبادل الدولي، غذ يخلق الشروط الملائمة لحركة السلع المصنعة للبلدان المصدرة لرؤوس الأموال.

3-تقسيم العمل الدولي يتطابق وتقسيم العمل الداخلي للدول المصنعة بين الصناعة والزراعة.
4-تباين الأسعار بين الدول المصنعة والدول المصدرة للمواد الأولية، التي تعد وسيلة هامة لتعزيز موقع الدول المصنعة، فانخفاض الأسعار يساعد على تحقيق معدل ربح إضافي، إذ يتم تحويل جزء من فائض القيمة إلى المتربول وذلك نظرا لاختلاف التركيب العضوي لرأس المال.

يختلف (بوخارين) في تحليله عن التحليل الذي يعتمده (لينين)، فهذا الأخير استند إلى طبيعة الملكية وعلاقات الإنتاج القائمة لإبراز مواطن ضعف النظام الرأسمالي فهم يستخدمون الحكم القيمي مع استخدام الحكم المسبق في تحديد أهداف أطروحتهم، أما (بوخارين) فقد حصر الموضوع في إطار العلاقات الاقتصادية الدولية وبين الدور الذي تلعبه الأسواق والاحتكارات وتطبيق السياسات الحمائية للهيمنة على الاقتصاد الدولي، وبذلك يكون قد قام ببناء أطروحته في دائرة التداول وهذا عكس (لينين) الذي صاغ أطروحته في دائرة الإنتاج، إلا أنهما اتفقا في المنهج المستخدم فكلاهما استخدم المنهج التاريخي لتحقيق غايته ولقد عرفت أطروحته -أي بوخارين- انتقادات تذكر منها في هذا المجال (سمير أمين 1974: 116):


1-كونه يعتبر الرأسمال العالمي متجانسا، وهذا غير صحيح لأنه يستحيل أخذه على أنه نمطا واحدا وهذا ما يعرف بتقسيم العمل الدولي.
2-تدني أسعار المنتجات الزراعية والمواد الأولية وتحقيق الربح الإضافي من ورائها -حسب رأيه- ومن تحديد تحويل جزء من الفائض نحو المتربول، لكنه يبين الطريقة -التي تثبت عملية الاستنزاف وهذا يكون بحد ذاته إشكالية لبحث جديد.
3-اعتقاده بأن تصدير رأس المال الأساسي لإيجاد شبكة دولية للتبادل، وهذا لا يتعارض مع عملية تصدير البضائع بل يعتبر عاملا مشجعا لها ويكون شبكة استغلالية (بالوا 1978: 78).

عموما فإن أطروحته تمثل امتدادا وتكملة لسابقتها من خلال إضافة قضية السوق العالمي والحماية وتقسيم العمل، اعتماده في التحليل على دائرة التداول وهذا خلافا لأطروحة (لينين) التي استندت إلى دائرة الإنتاج لتحديد طبيعة الإمبريالية، إلا أن هناك طرف آخر لا يقل أهمية عن الأطروحتين السالفتين والمتمثلة في الأطروحة الكسمبورغية التي سعت إلى تحليل طبيعة الإمبريالية فما هي الإضافة التي أثرت بها (روزا لكسمبورغ) لهذا الموضوع؟ وهذا ما سنعمل على دراسته في المطلب اللاحق.
الهيمنة من خلال الأطروحة الكسمبورغية في الإمبريالية
تقدم لكسمبورغ طرحا مغيرا تماما للأطروحات السابقة، إذ تعتقد بأن الإمبريالية ناتجة عن تناقض أساسي لنمط الإنتاج الرأسمالي، أي أن قيام الإمبريالية يعود إلى ذلك التناقض بين القوى المنتجة والقدرات الاستيعابية المحدودة للسوق، وعليه تقدم نقدا لماركس لتصوره الخاطئ للمخطط النظري لتراكم رأس المال (Schéma . MARXISTE) حيث يحصر مخططه في طبقتين رئيسيتين هما، الطبقة الملكة لوسائل الإنتاج والطبقة العاملة، فهو بذلك يقدم تصورا مجردا للقطاعات غير الرأسمالية ولكونه يعتبر النظام الرأسمالي نظاما مغلقا ليس له أية ترابطات بالتشكيلات الاجتماعية الأخرى، ومن ثمة فإن المخطط عاجزا من تفسير سيرورة التراكم الرأسمالي -على حد تعبير روزا- كما أنه عاجزا عن تفسير عملية إعادة الإنتاج ولتوضيح ذلك تقوم بعرض هذا المخطط في أطروحتها كما يتصوره ماركس (1) من أجل إظهار مواطن الضعف فيه(10: 1972 LUXEMBOURG) التي تكمن في عملية الحساب لتفسير سيرورة التراكم الرأسمالي فهو يعتقد أن التراكم يتنامى من سنة إلى أخرى بدون انقطاع مع احتفاظه بالقاعدة النقدية نفسها أي التركيب العضوي لرأسمال (C/V)كما يحتفظ بمعدل الاستغلال ثابت 100% ومن ثمة فقد أهمل إنتاجية العمل (29: 1980 BRAILLARD) وهذا ما جعله عاجزا عن تفسير التراكم الرأسمالي بل وعجز حتى عن تفسير عملية الإنتاج وهكذا ترى (لكسمبورغ) بأن عملية إعادة الإنتاج الموسعة تمثل قاعدة وجوهر أسلوب الإنتاج الرأسمالي الذي يسمح بتراكم رأس المال وهذا من أجل زيادة رأس المال المنتج وتعظيمه وبالتالي يزيد الإنتاج، بحيث تكون هذه الزيادة تفوق الطاقة الاستيعابية للسوق الرأسمالي -أي الإنتاج الرأسمالي- يفوق الطلب الفعلي، وعليه تميز (لكسمبورغ) بين ثلاثة أجزاء من مجموع الإنتاج الرأسمالي.

-الجزء الأول: يوجه إلى تجديد وسائل الإنتاج بمعنى يوجه إلى تعويض الرأسمال الثابت.
-الجزء الثاني: يوجه إلى صيانة العمال والرأسماليين.
-أما الجزء الثالث: فإنه يمثل -في التصوير الماركسي- فائض القيمة الذي يتم نهبه من مالكي وسائل الإنتاج والذي يسمح بإعادة إنتاج رأس المال بمعنى التراكم.

يطرح هذا التقسيم مشكلا جوهريا يتمثل في نوعية السلع وتحديد الفئة المستهلكة التي لها إمكانية اقتناء هذه السلع حتى تمكن الرأسماليين من تحقيق ربح وافر يكون فيه فائض القيمة الجزء الأكثر أهمية (125: 1969 DOWIDAR) إلا أن هذه الغاية تعد الأساس للتراكم ولا يمكن تحقيقها إلا إذا توفت منافذ خارجية أي أنه يجب التعريف بالمنتجات في الدول الأقل تطورا، وعليه فإن التناقض بالنسبة (لروزا) يكمن في الفائض المتزايد وامتصاصه المحدود في الأسواق التي يحددها العمل الداخلي للنظام، وبذلك تعكس النتائج المتناقضة التي تقوم بعملها انطلاقا من قانون اتجاه معدل الربح للانخفاض، لأنه يعد من الخصائص الجوهرية للرأسمالية التنافسية، ومن أجل إزالة هذا التناقض تعتقد (لكسمبورغ) بأن الإمبريالية تمثل المسلك الأمثل لإزالة التناقضات القائمة في أسلوب الإنتاج الرأسمالي، ذلك لأن التراكم لا يتم تحقيقه إلا في حالات توسع مجالات التصريف، فالإمبريالية تزيل التناقض القائم بين القوى المنتجة ومحدودبة السوق، وهكذا فإن علاقات التبادل مع الدول غير الرأسمالية سواء كان هذا التبادل ذو طابع تجاري أو في شكل تصدير رؤوس الأموال فإنه يعود بالفائدة ويحقق الفائض وهذا ما يمثل جوهر التراكم الرأسمالي، ومن أجل تحقيق ذلك فإنه من الضروري أن تكون له جملة من العلاقات مع الوسط غير الرأسمالي الذي يكتنفه، هذه العلاقات تتسم بالهيمنة لرأس المال عن طريق التوسع باستعمال القوة العسكرية، وفي هذا السياق تكتشف (روزا) بعض الأمثلة لتأكيد ذلك حيث في القرن 19 م، استخدم العنف بين الدول الرأسمالية والأمم الأخرى إلى أن أخضعت تماما، هذا التوسع يمثل في الواقع توسعا إمبرياليا فهو مجرد تعبير سياسي لسيرورة التراكم الرأسمالي التي تظهر بالمنافسة بين الدول الكبرى من جهة والدول المتخلفة رغم تمتعها أحيانا بالاستقلال (31: 1980 BRAILLARD) وعليه فإن الإمبريالية تمثل تحول عضوي تفرضها التناقضات القائمة المشار إليها وهذا عكس اعتقاد (لينين وبوخارين) وبالرغم من ذلك نجد تصدعا نظريا في الأطروحة الكسمبورغية يبرز من خلال عدم تشكيلها لنموذج يوضح عمل الرأسمالية الاحتكارية والذي نراه أساسيا لتحديد طبيعة الإمبريالية وآليات هيمنتها واستغلالها وأثرها على تنمية الأمم المهيمن عليها من خلال العلاقة بين العالم الرأسمالي وهذه الأمم، هذه العلاقة تسمح الرأسمال من تحقيق فائض القيمة النقدي والذي يمكن من استمرار الرسملة من ناحية، والحصول على السلع التي تعد ضرورية لتوسع الإنتاج الخاص به من ناحية أخرى، وهذا يمكن من تحطيم الأشكال غير الرأسمالية للإنتاج ويضمن له علاقة مستمرة بقوى العمل التي يحولها إلى طبقة عاملة (71: 1968 LABICA).
نستخلص من خلال هذه العلاقة نتيجتين:

-من جهة، تريد أن تظهر بأن الرأسمالية ليست بأسلوب الإنتاج الضروري والمنطقي في تاريخ الاقتصاد العالمي.
-ومن جهة أخرى، تريد أن تبرز التناقضات الداخلية للعالم الرأسمالي التي لا تزول إلا بزوال الأمم غير الرأسمالية -أي البلدان المتخلفة.

وعليه تمكنت (لكسمبورغ) من تحديد الهيمنة، التي لا يمكن التخلص منها إلا عن طريق الخروج من دائرة التخلف، بينما تعمل الدولة المتقدمة على تقييد نشاط هذه الأمم والحيلولة دون تقدمها بضمان بقائها سوقا رائجا يتم فيها إنتاج الفائض ونهب من جهة، وباعتبارها سوقا لتصريف المنتجات وتأمين مصادر المواد الخام من جهة أخرى.

لم يتوقف الاتجاه المضاد عند هذا المستوى من التحليل، بل برزت أطروحات أخرى تبرز العلاقات ألا متكافئة والنتائج المترتبة عن هذه العلاقات من طرف مجموعة من الباحثين البارزين ينتمون إلى الدول المتخلفة، وامتازت أعمالهم بسلوك نفس المنهج الذي سلكه (لينين وبوخارين ولكسمبورغ)، إلا أن الاختلاف يكمن في بروز جملة من المعطيات الحديثة التي استخدمت في التحليل نذكر منها موجة التحرر التي شهدها العالم بعد أن عاشت هذه الدول تحت الهيمنة الاستعمارية، وقد وضعت استراتيجيات وسياسات تنمية بعد استقلالها عسى أن تمكنها من اللحاق بالركب، كما أقامت علاقات تجارية ومالية مع الدول المتقدمة، هذه العلاقات تكون محل دراسة هؤلاء الباحثين وعليه فإنه من الأهمية بمكان هذه الأطروحات بغية استخلاص متغيرات أخرى للظاهرة محل الدراسة.

الهيمنة من خلال الفكر المعاصر للدول المتخلفة

لقد عرفت العلاقات الاقتصادية تحولات كبيرة، وأصبحت تشكل إشكالية خاصة ومتميزة ولم تبلغ ذروتها إلا بعد الحرب العالمية الثانية لا سيما بعد أن أوضح هيكل النظام الدولي وأضحى يفسر الخط العام لعلاقة الهيمنة والنفوذ بين ما بدأت النظام الدولي (عبد الشفيع 1983: 27) والتي يغلب عليها الطابع اقتصادي وأثرها الكبير على مجريات الأحداث العالمية، ولقد بينا في الفصول سابقة القصور الواضح في البناء النظري للمفكرين أولوا اهتماما -بموضوع العلاقات الاقتصادية الدولية بصفة عامة والتجارة الدولية بصفة خاصة يمكن إرجاع ذلك إلى كون هذه العلاقات لم تنفصل بعد عن الفلسفة السياسية لقانون الدولي العام، كما أنها لم تكن منفصلة عن التاريخ السياسي.


وهذا ما جعلنا نميز منذ البداية بين الاقتصاد الدولي والاقتصادي العالمي وقد تميز هذا التمييز جليا سواء في الفصل التاريخي أو الفصل النظري الذي انقسم إلى شقين، سعى الأول إلى إبراز أهمية قيام المبادلات الدولية مع التأكيد على تخصص وتقسيم العمل الدوليين، بينما الشق الثاني فتميز بالعمل على كشف آثار السلبية للمبادلات الدولية وطرح أفكاره من خلال تحديد طبيعة الإمبريالية آلياتها، هذه الآليات التي تترجم ظاهرة للاحتكارات عند درجة عالية من تطوره اندماج رأس المال الصناعي برأس المال المصرفي بالإضافة إلى أساليب النهب والسلب وتحويل مستعمرات الشاسعة إلى مجالات اقتصادية نشيطة تخدم الرأسمالية الاحتكارية تلعب دور المخزن الذي يمدها بالمواد كما تلعب دور السوق الواسع لاستقبال سلع المصنعة، وهكذا تم تقسيم العالم جغرافيا مسايرة لتغير موازين القوى اقتصادية بين المتروبولات؛ فبروز هيمنة النظام الرأسمالي خارج حدوده الإقليمية تكمن في انعدام إمكانية تحقيق فائض القيمة والنمو داخليا في النظام.

لقد نتج عن الحرب العالمية الثانية ضعفا معتبرا للقوى الاستعمارية، حيث عرف العالم غداة انتهاء هذه الحرب العالمية موجة تحريرية انتهت باستقلال مجموعة كبيرة من المستعمرات وشبه المستعمرات، كما برز القطب الاشتراكي كقوة لا يمكن إهمالها شجعت المستعمرات على المطالبة باستقلالها ومدت لها يد العون، ومع ذلك سعت مجموعة من هذه الدول المستقلة إلى تجنب القطبين بإنشاء مجموعة عدم الانحياز لتجنب الحرب الباردة وانعكاساتها، وهكذا نلاحظ أنه بعد الحرب العالمية الثانية أرست قواعد النظام الدولي الحالي عن طريق إنشاء المنضمات الدولية ذات الطابع السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي والتي تعد بمثابة تنظيم جديد لم يسبق له مثيل من قبل في تاريخ الإنسانية، ويكمن سر نجاح إنشاء هذه المنضمات في توفر المناخ الذي ساهم في إنجاح هذا النظام منها الأزمة الاقتصادية الكبرى 1929 والحرب العالمية الثانية التي أنهكت الاقتصادية الأوروبية ناهيك عن ظهور الكتلة الإشتراكية وتحرر الدول من الهيمنة الاستعمارية، ولربما المستفيد الكبير من هذا النظام الولايات المتحدة الأمريكية التي تلعب دورا كبيرا في تحرير المبادلات من خلال العودة التدريجية إلى قاعدة الصرف بالذهب ومراقبة حركات رؤوس الأموال، كما استغلت الولايات المتحدة الأمريكية أهداف المؤسسات الدولية التي أنشأت لهذا الغرض، ناهيك عن المشروعات المتعددة الجنسيات العملاقة التي تمكنت من اختراق الأسواق العالمية.
بالإضافة إلى ما سبق تم إنشاء المناطق الاقتصادية الجهوية وذلك خلال سنوات الخمسين مسايرة للتطور الاقتصادي الذي عرف تحولا هيكليا، وشمل هذا التطور كل الأنشطة الاقتصادية لا سيما بعد تبني مبدأ تدخل الدولة، وعلى العكس تزداد الفجوة اتساعا بين مستوى التنمية للدول المتخلفة ومستوى التنمية للدول المتقدمة وأضحت الفجوة ظاهرة بكل وضوح من خلال دراسة العلاقات الاقتصادية الدولية وترجمة برامج المساعدات المقترحة من طرف الهيئات الدولية، وعليه أصبحت إشكالية التنمية الشغل الشاغل لعدد كبير من طرف الهيئات الدولية، وعليه أصبحت إشكالية التنمية في الدول المتقدمة ينطلقون من الجوانب الكمية ويعتمدونها كمؤشرات يرونها مناسبة لتحقيق الانطلاقة الفعلية من خلال حصر مسبباتها مهملين بذلك دور العلاقات الإنتاجية ويخففون دورها. ويخلصون إلى نتيجة بأن التخلف ما هو إلا مجرد تأخر يمكن استدراكه، لكن الباحثون في الدول المتخلفة -لاسيما الماركسيون- يؤكدون أن التخلف ظاهرة تاريخية لا يمكن فهمها واستيعابها إلا بالارتباط مع النظام الذي أنتجها.

إن اصطلاح التخلف، لم يرد البتة في الأدبيات الاقتصادية، ولقد استعمل لأول مرة من طرف الاقتصادي (أندري سوفي) وكان ذلك في مجلة السكان سنة 1952 (ربيع 1981: 05)، ثم برزت أطروحات تعالج هذه الظاهرة، ومن أهمها الأطروحات التي ظهرت بأمريكا اللاتينية والتي يرجع لها الفضل في استخدام تعبير المركز المهيمن والمحيط التابع، ومن ثمة فإنه من الضروري التطرق إلى أهم أطروحاتهم التي تعالج الموضوع في إطار العلاقات الاقتصادية الدولية وقد يلقبها البعض بالنظريات الحديثة للإمبريالية انطلاقا من المنهج المعتمد وأدوات التحليل الماركسية وسنحاول في هذا المبحث تسليط الأضواء على الأطروحات التالية:

1-أطروحة نمو التخلف لفرانك.
2-التبادل ألا متكافئ لايمانويل.
3-الماقشات التي أثارت موضوع التبادل ألا متكافئ.

الهيمنة من خلال أطروحة نمو التخلف A. GUNDER FRANK
لقد أدرك فرانك بأن التبادل اللامتكافئ يمثل تحصيل حاصل للبنية الاحتكارية للمبادلات التي تفرز تبعية خارجية للأطراف بالنسبة للمتربول، وهكذا فإن مفهوم التبادل اللامتكافئ والاستقطاب مرتبطين وغير مستقلين في البناء النظري لفرانك، كما أن الفائض مرتبط مباشرة بالبنية الاحتكارية للمبادلات وبذلك يتفق مع أطروحة (بوخارين) في هذا المجال، ويهدف من وراء ذلك إلى إبراز مقولة الاستغلال الرأسمالية، والتي تخلق سلسلة توحد العالم الرأسمالي كله بالمتروبولات، وهكذ فإن الهيمنة يحصرها في كونها علاقة تكنولوجية لربط المستوى المتطور المتباينة وتعزز هذه العلاقة عن طريق استقطاب العالم وفق شبكة معقدة تربط بين المتربول والدول المهيمن عليه (45: 1970 A.G FRANK) وفي هذا السياق حدد الشبكة في مؤلفه نمو التخلف تحت عنوان آليات الإمبريالية، ومن أجل لإبرازها قام بدراسة حول العلاقات القائمة بين البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية وقد حصرها في العناصر التالية: 46/45: 1970 A.G FRANK :

1-التدفقات المالية من البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية
2-آثار هذه التدفقات على البنية الاقتصادية والصناعية البرازيلية.
3-علاقة التخلف والتصنيع بالاستثمار الأجنبي.

لقد اعتمد فرانك على توافر الإحصائيات لدى المنظمات الرسمية بالدول المتقدمة، حيث بين أن حجم الاستثمار خلال الفترة 1947-1960 لرؤوس الأموال الخاصة الأمريكية في البرازيل تقدر بـ1814 مليون دولار وفي نفس الوقت تدفق رأس المال الناتج عن الاهتلاكات والأرباح وكذلك الفوائد والتحويلات الأخرى الصادرة من البرازيل باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية بغت 3481 مليون دولار وهذا يبين أن التدفقات المالية من البلدان المتخلفة نحو البلدان المتقدمة كبير مقارنا بالمبالغ المستثمرة، فالبلدان الرأسمالية ترى ذلك على أنه سلوك طبيعي ومنطقي ويعكس المكافئة التي تمثل عائد الاستثمار والقرض وهكذا فإن التدفق العكسي.

من الضروري أن يكون أكبر من التدفق الوارد إلى البرازيل لكونه يحمل في طياته الأرباح المحققة وكذلك الفوائد التي تستنزف بطريقة شرعية وفي هذا السياق يصرح الرئيس (كندي) بأن تيار رأس المال القادم من الدول المتخلفة بلغ 1300 مليون دولار مقابل 200 مليون تم تصديرها إلى هذه الدول لكن تدفق رؤوس الأموال باتجاه أوروبا الغربية بلغ 1500 مليون دولار مقابل 1000 مليون دولار، وقد استغل فرانك الوسيلة الإحصائية ليطرح تساؤل حول الفرق بين الطرفين أي الاستثمارية في الدول المتخلفة ونظيره في الدول المتقدمة وهكذا فإنه يرد على ذلك من خلال اعتقاده، بوجود برازيليين يتعاونون مع المشاريع الأمريكية ويدعمونها وذلك برأس المال البرازيلي شريطة الحصول على امتيازات وحصص من الأرباح (149: 1970 FRANK) وهكذا فإن هذه الاستثمارات تخدم المتربول أكثر مما تقدمه للبرازيل لكون هذه الأخيرة مقيدة في طريقة استخدام هذه القروض والاستثمارات فمن بين 791 شركة أمريكية بالبرازيل سنة 1960 نجد منها 125 شركة تمارس نشاط التصدير والاستيراد وما تبقى فإنها تمارس أنشطة تجارية لا علاقة لها بالقطاع الإنتاجي كالمصاريف والتأمين العقاري وشركات توزيع البترول والفندق والإشهار ، فهل تمثل 46% من حجم رأس المال الأمريكي المستثمر بالبرازيل بينما 54% من رؤوس الأموال التي قدمتها كتابة الدولة للتجارة الخارجية الأمريكية للإنتاج الصناعي فإنها قد وجهت لإنتاج السلع الاستهلاكية والتي تمثل 48% من الإنتاج الصناعي الأجنبي بالبرازيل بينما 20% موجهة لقطاع المنتجات الزراعية والمشروبات وتشرف على هذا النشاط 17 شركة.

وعليه يخلص إلى نتيجة هامة مفادها أن المشروعات الأمريكية بالبرازيل موجهة لشطة غير أساسية وبرؤوس أموال برازيلية، وعليه فإن تركيبة الاستثمارات الأجنبية وآثارها على البنية الاقتصادية البرازيلية تشكل عوامل أساسية للتخلف في هذا البلد لكون هذه الاستثمارات تندرج في لإطار دفع عجلة التنمية والعمل على إنجاح استراتيجية إحلال الواردات والواقع يثبت عكس ذلك فالمصانع البرازيلية تقوم بالتركيب وهي تدخل في إطار عقود نقل التكنولوجيا سواء المفتاح باليد أو المنتوج باليد وبالتالي تتسع فجوة الاخلف وتزيد من تبعية الاقتصاد البرازيلي للاقتصاد الأمريكي.

وعليه فإن الهيمنة هي علاقة تكنولوجية تربط بمستويات التطور المتباينة وأكثر من ذلك فإنها علاقة للتبعية بالمتربول الاحتكاري بحيث تتدعم هذه العلاقة عن طريق استقطاب العالم حسب شبكة معقدة تربط بين المتربول والدول التابعة (أمين 1980: 171)، فالتوسع التجاري للرأسمال المتربول في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا تسبب في تحطيم الاقتصاديات الزراعية وكذلك الصناعية الإنتاجية منها وحتى الاستهلاكية وذلك باستخدام القوة العسكرية من أجل نهب هذه الشعوب وتذليلها لخدمة اقتصادياتها وهذا بفضل تفكيك البنى الاقتصادية لها ودمجها في السوق العالمي ومن هنا تولدت ظاهرة التخلف (155: 1970 FRANK) عن طريق اقتطاع الفائض الذي تفوق أهميته امتصاص الفائض الاقتصادي للبلد لا سيما بعد إدماجه في النظام الرأسمالي العالمي ومن خلال تحويله إلى اقتصاد تصديري يرتبط ارتباطا عضويا يبنيه النظام الرأسمالي العالمي ومن ثمة عرفت هذه المناطق نموا اقتصاديا ظاهريا، ولكنه تابعا عاجزا عن توليد المزيد من النمو، وما إن تتدهور الإنتاجية بهذه المناطق حتى تتقلص المصالح الاقتصادية الأجنبية فيها، وعليه فإن نماذج التنمية على الطريقة الغربية المعدة للتصدير إلى البلدان المتخلفة تعد سوسيولوجيا وايديولوجيا متخلفة والهدف من ذلك ربط هذه البلدان بعجلة الاحتكارات والدول المتقدمة وعليه فإن ظاهرة التقدم والتخلف ظاهرة واحدة لا تتجزأ أو تربطها عضويا جدلية سبيبة واحدة، وبعبارة أخرى فإن التقدم والتخلف وجهان لعملة واحدة، وهكذا فإن أطروحة (فارانك) تتكون من أربعة عناصر مرتبطة فيما بينها ارتباطا وثيقا (149: 1970 FRANK):

-العامل الأول: استقطاب المتربول للدول التابعة
-العامل الثاني: علاقة الهيمنة.
-العامل الثالث: تفسير مستوى القوى الإنتاجية وإعادة الإنتاج الموسع الاجتماعي.
-العامل الرابع: امتلاك الفائض.
إن مفهوم الهيمنة داخل شبكة المتربول وعلاقته بالدول المتخلفة يؤدي إلى تحول مستوى القوى الإنتاجية وكذلك تحول عملية إعادة الإنتاج الموسعة لرأس المال الاجتماعي والتي تقدم تحت شكل سوء الاستخدام والتوجيه للموارد المتاحة داخل النظام وعبر كل مراحله (149: 1970 FRANK) وعليه يبدو امتلاك الفائض كنتيجة لعملية الاستقطاب.

مما سبق، انكب (فرانك) على دراسة ظاهرة التخلف محاولا بذلك تحديد العوامل التي ساهمت في نشوء هذه الظاهرة ومدى انعكاسها على اقتصاديات البلدان المتخلفة لا سيما القطاع الزراعي والصناعي، فإن كان تحول أوروبا الغربية إلى طريق النمو الرأسمالي مرتبطا بقانون فائض القيمة الذي يعد العامل الرئيسي المحدد للتطور نظرا لقدرة هذه الدول الإنتاجية وتطور الإنتاج وبالتالي سعت إلى إيجاد أسواق خارجية من أجل زيادة التراكم فحققت ذلك عن طريق النهب المباشر، وهذا ما جعل (فرانك) يركز على العلاقات القائمة بين المتربول والبلدان المتخلفة من خلال إبراز طابع الهيمنة الذي يظهر جليا في الممارسات الذي ذكرناها آنفا، وفي هذا السياق أود (بول باران) في كتابه الاقتصاد السياسي للتنمية (البابا 1986: 31) بعض الملامح التي تؤكد مقولة (فرانك) من خلال كشف الطرق التي مارستها الدول الأوروبية في بداية تطورها الرأسمالي في ضم الإقليم من أجل تحقيق نهضتها (أنظر الفصل السابق) وهذا ما أدى إلى توسيع الفجوة بينها وبين البلدان المنهوبة وهذا أدى إلى نمو تخلفها ومن ثمة يحمل (فرانك) تاريخيا الراسمالية مسؤولية الفقر والتخلف في هذه البلدان بفرضها للتخصص وتقسيم العمل الدوليين اللذين خدما مصلحتها وكذلك من خلال إرساء النظام الاقتصادي الدولي غداة الخروج من الحرب الكونية الثانية (خالدي 1992: 110) ويعد التخلف عند (فرانك) نتيجة لهيمنة الاقتصاد الأمريكي على اقتصاديات أمريكا اللاتينية من خلال نقل التكنولوجيا وتصدير الرساميل، ولقد تطرق أيضا إلى إشكالية التبادل اللامتكافئ واعتبره ناتج عن البنية الاحتكارية للمبادلات التي تفرز الهيمنة الاقتصادية ومن خلال (ميل) معدل التبادل لصالحها فهو بذلك يساند أو يؤكد أطروحة ميل.

وعلى العموم فقد اعتمد (فرانك) على المنهج التجريبي (Empirisme) فضلا على استخدامه للمنهج التاريخي مع استقلال وسائل التحليل الماركسية، ولقد تمكن من إماطة اللثام عن طريق سلب الفائض الاقتصادي، إلا أنه أخفق في تأييد فكرة التبادل اللامتكافئ على مستوى المبادلات الدولية واكتفى بوضع قواعد شبكة انتزاع الفائض وهذه من مساهمته الأساسية (أمين 1974: 19) فكيف سيتم بلورة إشكالية التبادل اللامتكافئ من طرف (أيملنويل)؟ وما هو النهج وأدوات التحليل التي بواسطتها سيحقق هذه الغاية وهل يمكر اعتبارها أطروحة ابرز الهيمنة الاقتصادية في شكلها الكمي؟
الهيمنة من خلال أطروحة التبادل اللامتكافئ" إيمانويل"
ينطلق (أيمانويل) في بناء نظريته من الأطروحات السابقة ومحاولة نقدها وإظهار مواطن الضعف فيها كما عمل على إظهار الأسس التبريرية التي تحجج بها أصحابها ولقد ركز ( إيمانويل) على موضوع حركية عوامل الإنتاج وعمل في أطروحته على إثبات وجود إمكانية تنقل دولة للبضائع وكذلك لرؤوس الأموال مع نفي أمكانية حركية العمل على المستوى الدولي (أمين 1974:15).
لقد عالج ( إيمناويل) فرضية وجود عاملين فقط هما رأس المال والعمل مع إلعاء الدور الذي تلعبه عناصر أخرى ذات تأثير نذكر منها الربح والضرائب وهذا من أجل الوصول إلى معرفة سيرورة تكوين أسعار التوازن في الإطار الوطني وهل يتأثر إذا تجاوز الإطار المحلي (86:1969 EMMANUEL ).

وللإجابة على هذا السؤال إفترض وجود نظام تبادل حر وأسقط من التحليل تكاليف النقل- مثلما فعل ريكاردو ومن ثمة إكتشف إمكانية تحديد المناطق الجغرافية تحت تأثير العامل السياسي، وكذلك تقسيم العالم إلى دول وهذا بفصل إنتقالية عوامل الانتاج، بينما في حالة حركية عاملي الانتاج- أي رأس المال والعمل- على الصعيد الخارجي بنقس القابلية التي تتم على الصعيد الداخلي فإن خصوصية القيم الدولية (أجون ستيوارت ميل) تختفي، وبالتالي فإن نظرية أسعلر الانتاج تكفي وحدها التعبير عن كل عملية تبادل تكون قد تمد (86:1969 EMMANUEL ).

يمكننا القول من الفرضيتين السابقتين، بأن أصحاب الفرضية الأولى يرون ضرورة في وجود نظرية خاصة بالقيم الدولية بل تعد نظرية القيمة كافي للتعبير عن التجارة الخارجية وعليه فإنهم يستندون إلى التكاليف كمحدد للسعر بينما الفرضية الثانية. ترى رفع الأسعار تمد الأداة المحددة التكاليف وذلك وفر قانون سابق القيمة / العمل ويقصد بدلك قانون العر ض والطلب.

أما الفرضية الثالثة فهي (لانجل) ANGEL الدي ركز اهتمام على إمكان تنقل عوامل الإنتاج على المستوى الداخلي، بينما يراها غير قابلة للإنتقال على المستوى الخارج، ويعتقد (ويتلي)WEATLY بأن الأجور تميل إلى التعاد ولكي يتحق دلك يشترط عدم وجود حواجز تحول دون حركة اليد العامل (89 : 1969 A.EMMANUEL) . وفي هذا السياق يشترط (أيمانويل لإستبدال قانون تكوين الأسعار بقانون التكاليف النسبية إمكانية حركية رأس المال وذلك من أجل إبراز علاقة هذه الحركية بتوزيع الأرباح وفي هذا المجال يفترض انعدام التنافس لعنصر رأس المال وهذا سيؤدي إختلاف كبيرة في معدلات الربح تؤثر على سبل توزيعها بين الدول المصنعة الكبرى والدول المتخلفة والتي من المفروض أن تكون لصالح هذه ويستند في ذلك إلى تداول رؤوس الأموال الذي يتم في إتجاه عكسي من الدول المتخلفة نحو الدول المتقدمة (وهو مابين فرانك) ويظهر ذلك من خلال إستثمارات الطبقة البرجوازية للدول المتخلفة في البلدان المتقدمة، فحسب تقرير مقدم من طرف الصندوق النقد الدولي في سنة 1964 إلى الملتقى العالمي للتجارة بين معاناة الدول المتخلفة في أمريكا اللاتيني وفي منطقة الفرنك على وجه الخصوص من الإستنزاف المستمر للرساميل الخاصة إذ بلغت 800 مليون دولار خلال فترة 1952-1961 (1969 A.EMMANUEL ) والسبب في ذلك حسب التقرير لإنعدام الأمن السياسي من جهة والتحكيم بين فرص الإستثمار الوطنية ومردوديتها الأجنبية، وبنفس الطريقة التي عالج بها معدل الربح، عالج (ميل) تعادل معدلات الأجور وأقر بعدم وجوده على المستوى الدولي وذلك بالرغم من طول الفترة التي عرفت حرية التنقل اليد العاملة في الدولة الصناعية والمنعدمة في الدول المتخلفة، كذلك إختلاف إنتاجية العمل للعامل لنفس نوعية العمل ورالنتيجة فإنه من الضروري حساب تكلفات ساعة العمل التي يقوم بها العامل المجتمع بدلا من حساب الأجر الذي يتقضاه.
وهذا ما جعل (إيمانويل) يقدر متوسط الأجر في الدول المتقدمة يعادل – وقد تزامن ذلك مع حركة الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية – ومن ثم يجب أن تتوفر قابلية حرية تنقل اليد العاملة حتى يمكن لنا تشخيص توزيع الأجور1969( : 89 EMMANUEL)
مما سبق ظهرت جليا واقعية الفرضية التي سنركز عليها لإبراز فكرة التبادل اللامتكافئ، حيث إنعدام التنافس لعنصر العمل سيسمح ببروز معدلات مختلفة لفائض القيمة، بينما ستشهر رؤوس الأموال تنافسا يسمح بالميل نحول تعادل معدلات الربح كما هو موضح بالجدول التالي ((EMMANUEL 1969 : 105

بالرغم من تساوي فائض القمية في كلا من (B) و (A) وكذلك تساوي الأجور في كليهما مع إختلاف التركيب العضوي لرأس المال (C/V) إلا أن البلدين يقومان بتبادل منتجاتهم وفقا لقانون القيمة وذلك وفق سعر الإنتاج (L أي 375 = B240 ، وبما أننا إفترضنا أن القيمة الإسمية للأعمال السابقة لكل من الدولتين هي على التوالي :A 240 وB 120، فإن هذا الإختلاف لا يعني سوى القيمة المضافة فبدلا من أن يتم التبادل على أساس 120 = 120 فإنه تم على أساس B135 = A108.

لقد أولى (أيمانويل) إهتماما لساعة العمل وميز العمل الماضي والعمل الحي، وعليه فإن النتيجة تكون ساعة عمل في الدولةB = 21/27 ساعة عمل وهكذا يتم تحويل 20 وحدة إضافية نحو A من B وفي الجدول السابق يفترض إجمالي وأس المال الثابت يستهلك كليا في دورة إنتاج واحدة وهي فرضية غير واقعية إذ لا يمكننا التمييز بين رأس المال المستخدم الثابت ورأس المال الثابت المستهلك خلال دورة الإنتاج يسمح لنا من الناحية المنهجية إبراز آثار الأول على الأسعار وهو على النحو التالي :

في هذا المثال : لا يحصل البلد مقابل 170 ساعة عمل وطنية إلا على 155 ساعة عمل دولية بينما الدولة من أجل نفس الكمية من العمل الوطنية تحصل على 185 ساعة عمل دولية رغم تساوي الكلفة في كلتا الدولتين ومع ذلك تتم المبادلة وفق الاتي : 185 = 155 أي أن تتخلى عن 30 وحدة لصالح وهذا ما تعتبر ه تحول لفائض القيمة.

إذا كانت الفرضية الأولى والمتمثلة في تنافس رؤوس الأموال يطرق توزيع الأرباح يمكن إعتبارها واقعية فإن الفرضية الثانية التي تخص تعادل الأجور غير واقعية، فأو فرضنا أن الأجور في الدولة تساوي 10 مرات الأجور في الدولة فإن فإن كلفة اليد العاملة في الدولة تكون أعلى 5 مرات من كلفة اليتد العاملة في الدولة ، وهذا ما يمكن إعتباره المعيار المعتدل، ومنه يبني (إيمانويل) مخططة إنطلاقا من هذه الفرضيات

(EMMANUEL 1972: 111 يمثل التبادل اللامتكافئ العلاقة بين أسعار التوازن التي تنشأ من خلال توزيع الأرباح وذلك بين المناطق التي تحقق فائض القيمة. وفي هذا السياق يعتقد (إيمانويل) بأن التبادل للامتكافئ، يستخدم الأجور على أساس أنها متغير مستقل عن النظام، إلا أن الأمثلة السابقة بينت بأن الأجور تعد المحدد الأساسي النسبية وليس العكس : بينما فكرة توزيع الأرباح التي يفترضها في المثال، فإن الغاية منها تكمن في الوصول إلى إحدى النتيحتين : إما إختلاف الأسعار وهو الذي يؤثر سلبا على الأرباح وهذا بدوره ينعكس سلبا على الأجور.

وهذه الفكرة تمثل جوهر الأطروحة الماركسية والمتمثلة في ميل معدل الربح إلى الارتفاع أو الانخفاض والمعيار في ذلك تتأثر الأسعار، فهذين الإحتمالين واردين ولا يمكن نفي أحد منهما : أما على الصعيد الدولي، فإنه يعتقد بإنعدام المنافسة لعنصر العمل : إنطلاقا من إختلاف الأجور بين الأمم، وهذا ما يجعله يؤكد جازما – وهذا في المستوى النظري – بإمكانية تغير الأجور في دولة ما عن طريق أسعار منتجاتها أو بدلالة قطاعات تصديرها، وعليه فإن ارتفاع أو إنخفاض الأسعار، يتناسب دائما مع إنخفاض أو ارتفاع الأجور (أنظر الأطروحة الماركسية) وهذا ما جعله يقارب الأسعار والأجور في دولتين مختلفتان من حيث مستوى التطور وذلك من التبرير ليؤكد إختلاف الأجور بإختلاف المناطق الجغرافية بطريقة مستقلة عن التدفقات السلعية وكذلك عن التدفقات المتأتية من البوصات (: 113 EMMANUEL 1972 ) .

إن حديثه عن المتغير المستقل في إطار نظام أسعار الإنتاج يستند إلى كون الأجر يمثل المعيار الوحيد لكونه يعكس الإقتطاع الأول الذي يخصم من النا الإجتماعي ، بينما يمثل الربح البقية الباقية، وفي الحالة العكسية إذا لم يكن الأجر متغيرا مستقلا، فإن مسألة تحديد القيمة على أساس موضوعي يعد أمر غير قابل للحل، وعليه يصعب إيجاد سعر التوازن الإنتاج (سمير أمين 40: 1980)، وهكذا تحديد الأجور بنية الأسعار الدولية فهي بذلك تشكل المتغير الأول وبالتالي يصبح من السهل وضع قانون يحكم عملية التبادل على المستوى الداخلي للدولة وكذلك على المستوى الدولي الذي من خلاله يبرز تعادل الأرباح وتبادل معدلات فائض القيمة والسبب في ذلك إختلاف الأجور.

وعليه يرمز التبادل اللامتكافئ إلى شكل من أشكال الهيمنة وفي هذا الإطار فإن إختلاف الأجور، يمثل إحدى الأسباب التي ينتج عنها هذا التبادل وذلك بالإضافة إلى أسباب أخرى كالإحتكار من خلال الهيمنة على الأسواق الدولية وإتساع الفجوة في مجال التحكم في التقنيات الرائدة Technique de pointe. عموما فإن إستعمال المتروبول والترجع، أو إستخدام إصطلاح التطور والتخلف، الغاية منها التعبير عن آلية الهيمنة، وفي أمريكا اللاتيني تعبيرا عن صفة التقدم وإقترانها بالهيمنة لإمتلاكها للتكنولوجيا وعوامل الإنتاج المتقدمة بما فيها اليد العاملة الماهرة، بينما تعكس التخوم أو المحيط مجموع الدول المهيمن عليها التي تسبح في ذلك المركز المتقدم، وقد جاءت أطروحة لإماطة اللثم على طابع الهيمنة الإقتصادية وبذلك أعطى هذه الظاهرة بعدا كميا لإعتماد على السياسات المطبقة في تقديم القروض والإعانات وهذه كلها من الأدوار المطبقة للح د من الإستقلال الساسي والإقتصادي للتخوم. ومن ثمة تتحرك الدول الدول المتخلفة في هذا الفلك مفيدة الحركة ومتأثرة بها. وعموما فإن هذا التحليل وأخذ بعدا تاريخيا. والعمل على إبراز ميكانيزمات التبادل القائمة على أساس الدفاع عن المصلحة الوطنية وهذا ما أثر على إقتصاديات الدول المتخلفة من خلال الإنحطاط الكلي وتفكك في البني الإقتصادية وتميزها بإزدواجية إقتصادياتها (: 55 S.M. KHALDI 1967 ) ستقرار سياسيا وتدخل المركز في توجيه السياسات الاقتصادية للدول المتخلفة.

إثراء أطروحة التبادل اللامتكافئ

لقد دارت مناقشات عديدة بعد طرح (إيمانويل) لنظرية التبادل اللامتكافئ، وقد قام (سمير أمين) بعرضها وعرض المنافشات التي أحاطت بها في مؤلفاته ساعيا إلى التنسيق بين هذه الأفكار والآراء التي أثرت الموضوع محل الدراسة ولبد لخصها في النقاط التالية (سمير أمين 1974 : 23) :

1- إبراز العلاقة القائمة بين المحيط والمركز الرأسمالي على أساس غير متكافئ
2-إثبات قصور وعجز النظرية الراسمالية للتجار ة الدولية في كشف اللاتكفائ في المبادلات وأنها أي النظريات – قد غلب عليها طابع التضليل وهي تعد بمثابة إنكار لنظرية القيمة العمل.
3-إمكانية حركة البضائع ورؤوس الأموال.
4-عدم إمكانية الإنتقال الدولي لعنصر العمل.
5-إنتاجية العمل غير قابلة للقياس بين الفروع المختلفة بالوحدة ذاتها.
6-أن ساعة العمل المنجزة من طرف عمالة المحيط تعادل ساعة العمل التي يؤديها نظراتهم في المركز وكليهما يمثل بضائع دولية.

يعد اكتشاف الأجر على أنه متغير مستقل إكتشاف أساسي لإعتماده على القيم النقدية – كما أن اختلاف معدل فائض القيمة بين المركز المحيط جوهر الإختلاف الموجود بين الأجور وهذا إذا إعتقدنا مسبقا بأن قوة العمل ما هي إلا بضائع دولية لها قيم دولية (سمير أمين 1974 : 23) ولقد ميز (إيمانويل) بين شكلين بالإعتماد على :

1- إعتبر فائض القيمة متساويا في البلدين محل البحث ، مع تخصص هذين البلدين في الفروع الإنجليزية التي تكون تركيبها العضوي لرأس المال مختلفا.
2- إختلاف معدلات فائض القيمة، وهذا يؤدي إلى إنتقال القيمة من بلد لأخر نتيجة لعدم حركية عنصر العمل على الصعيد الدولي معا يترتب عليه الإختلاف في الأجور والتي تعد أساس البناء النظري للتبادل اللامتكافئ.

لقد تركت هذه الأطروحة أثرا كبيرا على أطروحات المختصين في مجال التنمية وفي مجال الإستراتيجيات الإقتصادية لاسيما تلك المقترحة من طرف المؤسسات الدولية التي في إطارها تعبر أول المحيط من مواقفها وأرائها تجاه هيمنة دول المركز التي تقدم بها شروط إنتاج تستغل قوة العمل بأجور منخفضة (ATTALI1981:161). وفي هذا الإطار تم إثراء أطروحة التبادل اللامتكافئ من خلال وضع فرضيات أقل إبتعادا عن الشروط المنطقية للإنتاج، ومن بين المهتمين، الباحثين سمير أمين الذي تطرق في أبحاثه إلى نتائج هذه الأطروحة لاسيما فيما يتعلق بمنتجات دول المحيط حيث يرى أن نظرية القيمة العمل لم تستغل في هذ المجال لإعتقاده بان المتجات التي يتم إنتاجها في المركز تكون ذات قيمة إجتماعية عالية تختلف عن قيمتها الإجتماعية في المحيط، لكون المركز يستخدم في عملية الإنتاج تكنولوجيا مكثفة وقليلا من العمل وهذا عكس التوليفة التي يعتمد عليها في عملية الإنتاج بالمحيط (هذا يتفق أمين مع التحقيق الذي قام به ليونتيف). وعليه فإن منتجات هذا الأخير ستمتاز بقيمة إجتماعية أقل من القيمة الإجتماعية لنفس المنتوج التي يتم إنتاجها بالمركز والسبب في ذلك يعود إلى الفارق في الإنتاجية حتى وإن كانت الأجور متساوية، فإنه لن يكون هناك تبادل غير متكافئ – حسب إيمانويل – ومن أجل التوصل إلى حقيقة التبادل اللامتكافئ فإنه لابد من ربطه بالفوارق الشاسعة بين مستويات الأجور بالمركز عن تلك الموجودة بالمحيط بحيث يكون الفارق بين مستويات الأجور أعلى من الفارق في إنتاجية العمل (: 16 ATTALI 1981 ).

ابالإضافة إلى ما سبق، لم يشرح (إيمانويل) حالة إنتاج سلعة في دولة لا تنتمي للمعسكر الرأسمالي سواء من دور المركز أو دول المحيط، فاطروحته دارت حول العلاقات بين الراسمالي والمحيط المتخلف وعليه يعتقد (سمير أمين) بوجود سوقا عالمي واحد وينكر وجود سوقين عالميين، تسهم فيه بشكل طفيف دول المعسكر الإشتراكي، فهي تمثل جزء من النظام الرأسمالي أو المحيطي (بالوا 1978 : 90) فكل سلعة تدخل في مبجالات المبادلات الدولية تخضع لمعيار التبادل اللامتكافئ، ومنه فإن النظام الإشتراكي العالمي والدول المحيطة لم يخرجها من رحم النظام الرأسمالي ولم ينشقا عن جسده إذ أن تطورهما مازال محكوما بقوانين تطور هذا النظام، إذ لا توجد منظومة قوانين خاصة تحكم تطورهما وعلاقاتهما الدولية التي تتحدد بفعل قوانين المركز الرأسمالي وحده على جميع مراحل تطور النظام الإقتصادي العالمي (دليلة 1982 : 173).

من جهة أخرى بعتقد (سمير أمين) بأن الإكتشاف الأساس في أطروحة (أيمانويل) يتمثل في وصوله إلى حقيقة الأجر بإعتباره المتغير المستقل النظام، وعليه فإن العمل الأساسي الذي قام به يتمثل في تأكيده على تفوق التقيم الدولية. إذ يقيم علاقات بين الأدوات المختلفة لمعدل الفائض القيمة والربح وكذلك رأس المال وقيمة قوة العمل ذاخل أسلوب الإنتاج الرأسمالي، وفي هذا السياق يفترض كل البضائع هي ذات طابع دولي (سمير أمين 1974 : 26) بينما يرى (بتلهايم) بأن قانون القيمة يقوم على المستوى الداخلي لكل تشكيلة إجتماعية رأسماملية بهدف ضمان إعادة الإنتاج الموسع، وكدلك ضمان مستوى معين للأجور فهو بذلك يثول بإستقلالية تحديد الأجر داخل كل تشكيلة، وعليه فإن التبادل اللامتكافئ – حسب بتلهايم – (سمير أمين 1974 : 26) يرجع سببه لتفاوت الإنتاجيات، وهذه الأخيرة ذات إتباط بتركيبات عضوية مختلفة تحدد – (عن طريق تسوية معدل الربح) – أسعار إنتاج مغايرة القيم الأخوذة على إنفراد (سمير أمين 1974 : 112).

وفي هذا السياق قدم (ماندل أرنست) جملة من الإنتقاذات منها أن التبادل اللامتكافئ يعد هو المتسبب في عدم تكافؤ الأجور وليس العكس وعليه يؤكد على أنه في التجارة الدولية لا يوجد مجال التساوي معدلات الربح ويبرز ذلك بسلوك الإستثمار إلتي تسعى دائما إلى تعظيم الأرباح، التي تنتقل بإستمرار من المحيط إلى المركز (162 : 1981ATTALI ). كما يرى أن إنتاجية العمل في المحيط محكوم عليه، بالبقاء في مستوى أدنى من مستوى الإنتاجية المتوسطة الدولية ويرجع تنسيب ذلك إلى الإستثمارات التي من واجبها تحسين هذا المستوى أي أن إنتاج أي بضاعة في المحيط يتطلب أكثر كمية من العمل مقارنة بإنتاجها في دول المركز، وإنطلاقا من أن السوق الدولية تمتاز بالمنافسة، فالسعر الوحيد الذي يحدد لهذه البضاعة يكون مساويا للمتوسط الدولي للعمل المستعمل في إنتاجه، فالمنتوج الذي يكلف يوم عمل في المركز يكلف أكثر من ذلك في المحيط، نهذا يخلق التبادل اللامتكافئ الذي يظهر في آخر التحليل من خلال كمية العمل، هذا ما يجعل الأجور منخفضة بسبب إنخفاض إنتاجية العمل (: 162 ATTALI 1981 ) وعليه فإن التبادل اللامتكافئ – حسب ماندل – محصور في الفارق في الإنتاجية، ويقوم لذلك أربعة إنتقاذات أساسية نقلل من مجال تطبيق هذه الأطروحة وهي :

1- إستحالة التبادل اللامتكافئ للسلع التي لا تمتاز بالنوعية
2- الأجور الدولية تميل إلى التساوي
3- إلى جانب العمل المأجور في المحيط، هناك جزء لا يستهان به من العمل غير المأجور.

يؤكد (سمير أمين) في هذا السياق أن التبادل اللامتكافئ لا يمكن أن يبرز في مجال تبادل البضائع التي لا تمتاز بالنوعية إلا إذا وجد إختلاف في مستويات الأجور المدفوعة في المركز عن تلك الأجور المدفوعة في المحيط، وحتى في هذه الحالة لا يمكن إعتباره تبادل لا متكافئ إلا إذا أخدنا بين الإعتبار الإختلاف في الإنتاجية من جهة، وسعر السوق من جهة الموحد بسبب المنافسة الحرة التي تميز هذا السوق.


يميل السوق الدولي إلى تسوية الأجور الدولية عكس ما يفترضه (إيمانويل) والسبب في ذلك أن حركة الأموال من المركز المحيط مساعدة على تسوية فوارق الأجور، فهذه الحركة ستوفر مناصب شغل جديدة وبإمكانها ترقية وتحسين مستوى العمل في المحيط وبالعكس تتقلص فرص التشغيل بالمركز وبذلك تستقر أجور العمال. أما السلع ذت النوعية فتكاذ تكون منعدمة في تجارة دول المحيط، وعليه فإن التبادل اللامتكافئ، يتحقق في إطار تبادل هذا الصنف من البضائع وعليه يرتب (ماندل) اهم صادرات المحيط ويحصرها في المواد الأولية بما في المنتجات الزراعية، وهذه السلع متوفرة لدى دول المركز أيضا أو أن تكون لها بدائل، تسمح للمركز من الإمتناع من إستيرادها. ومن جهة أخرى فإن المحيط تنعدم لديه البضائع الصناعية التي تمتاز بالنوعية فهو بذلك يتفتقر لجزء هام من القيم الدولية. بينما تمتاز صادرات دول المركز بخصوصيات نوعية وهذا تتجلى فكرة التبادل اللامتكافئ، كما يعتقد (ماندل) بأن الرأسمالية في المحيط تستغل العمل غير المأجور إلى جانب العمل المأجور وعليه فإن فهم هذا الإنتقاد لا يكون إلا بعد تحليل سيوروة التطور في مجعلها وهذا يعطي تفسير الفارق في الأجور بإعتباره عاملا من جملة أخرى م العوامل لنظرية عامة في التطور اللامتكافئ، وإعتباره تبعية الأمبريالية في إطار أسلوب الإنتاج الرأسمالي. وبإعتباره أيضا تقريض الإقتصاديات غير الرأسمالية من طرف الدول الرأسمالية وذلك عن طريق الإستثمار.

من كل ما سبق، فإن (إيمانويل) يكون قد ساهم في إثراء القكر من خلال تقييده لموضوع التبادل اللامتكافئ في إطار إقتصادي تحت خال من كل طرح إيديولوجي ومذهبي وقد سعى إلى إبراز الهيمنة الإقتصادية لاسيما من خلال تحديد لموضوع القيم الدولية وتأكيده على الأجر كمتغير مستقل عن النظام وتمكن من إثبات أن كل البضائع تتعع بصفة الدولية لكونها انتجت بهدف المبادلة وهذه تخفي ورائها جملة من الأهداف كما رأينا وإستخدم لإثبات ذلك أطروحة (ريكاردو وميل) بإعتماده على دولتين وسلعتين وبين جوهر التخصص وتقسيم العمل الدولتين واعتبارهما لا مثلان إلا الحد الأقصى اللمكن النسبي من خلال دراسة المعمقة بإمكانية حركة عوامل الإنتاج وإعتمد في بلوغ دلكعلي للمنهج التاريخي الذي يميز المدرسة الماركسية عن غيرها من المدارس، وعموما فإن التبادل اللامتكافئ، يعتبر في حد ذاته متغيرا من المتغيرات التي تقوم عليها ظاهرة الهيمنة.
إستنتاجات عامة.
لقد حاولنا في هذا الفصل عرض أهم الدراسات التي عالجت موضوع التجارة الدولية، وذلك بعد أن عملنا في الفصل السابق على تحديد طبيعة النظام الإقتصادي العالمي الذي ساد القرون العابرة، وإعتبارا من العصر الحديث عرفت البشرية تحولا وصف ذاته أهم تحول بأعظم إكتشاف عرفته البشري، والذي أطلق عليه الثورة الصناعية، وقد واكبت عصر النهضة التي عرفتها أوروبا سواء الإجتماعية أو السياسية أو الثقافية، فعلى مستوى الفكر برزت المذاهب الإقتصادجية كالتجاريين الطبيعيين الذين اهتموا بدراسة موضوع الثروة، لكن مع بداية هذا العصر الذهبي - أي عصر الثروة الصناعية – ظهر آدم سميث من خلال مؤلفه أسباب بطبيعة ثروة الأمم، والذي إعتمد فيه على التحليل المنهجي العلمي مستخدما في ذلك الوسائل الكفيلة بهذا العمل الموسوم بالتغيرات التي يشهدها العصر، جعل المهتمون يعتبرونه نقطة تحول في الفكر الإقتصادي ومن ثمة لا غرابة إن اعتبر مؤسسا لعلم الإقتصاد السياسي، بالإضافة إلى انفصال علم الإقتصاد عن الفلسفة، عرف النظام الإقتصادي العالمي تحولا في تركيبته، لاسيما بعد ظهور الدول الأوروبية المستقلة وعمليات توحيد الكيانات الفطرية مثل ما حدث في بريطانيا وألمانيا، وسعي هذه الدول إلى إتخاذ موقعها سواء على المستوى الأوروبي أو على الصعيد العالمي، ولقد رأينا في هذا الفصل تلك الصراعات التي حدث في أوروبا وأدت إلى نشوب الحروب كتلك الحرب التي قامت بين إنجلترا وفرنسا والدافع من وراء ذلك يكمن في الدفاع عن المصالح الإقتصادية، بينما على الصعيد العالمي، برزت الإكتشافات الجغرافية، لاسيما إكتشاف العالم الجديد، ولقد تميز عصر الثورة الصناعية بالصراع الحاد من أجل إقتسام العالم وضع الأقاليم من أجل تأمين مصادر بالموارد الأولية من ناحية، وتصريف المنتجات من ناحية أخرى، ويمكن إبراز هذا التحول في النظام التالي :

المخطط 04 يمثل النظام العالمي خلال القرنين 18 و 19

المصدر: من بناء الباحث

Δ : تمثل الأقاليم المستعمرة من طرف كل دولة
: تعبر عن الحركة الأحادية من المستعمر نحو المتربول
: تمثل المنتجات المحولة من المتربول نحو المستعمرات
: تمثل المبادلات داخل أوروبا
: تمثل المبادلات داخل أوروبا.

إن المخطط السابق يبين الطابع الدولي للمبادلات، بالمقارنة مع المدنية الرومانية فإن الإختلاف يبدو واضحا لكون المتربول في العهد القديم يمثل وحدة مركزية تدين بولاتها لسلطة القيصر، والأقاليم جميعها تخدم هذا المركز الموحد من خلال الحركة الأحادية للمبادلات. وهذا ما عبرنا عنه بالنظام الإقتصادي العالمي. وهذا يختلف عن النظام الذي إقترن بعصر النهضة الأوروبية وساير الثورة الصناعية، إذا نلاحظ بروز نظام الإقتصاد الدولي لاسيما بعد بروز الكيانات القطرية في أوروبا ومن ثمة تجزات الوحدة المركزية المتريول وحلت محلها الإتجاهات الوطنية التي أقامت الحواجز الجمركية وفرضت الرسوم المرتفعة على المبادلات تجنبا لخروج المعدن النفيس وهذا يمثل الطرح الذي أصر عليه المذهب التجاري الذين يعتقدون بأن قوة الأمة يمكن في تنامي ثروتها والتي يتجب أن تجمع من خلال تنشيط الصادرات وتحريرها من ناحية وتقييد الواردات من ناحية أخرى : كذلك العمل على جلب المعدن النفيس إلا أن هذه السياسة التجارية لم يكتب لها النجاح وظهرت الصراعات بين الأمم الأوروبية وعلى سبيل المثال لا الحصار الحصار الإقتصادي الذي قامت به فرنسا على انجلترا وكذلك حصار الإنجليز لفرنسا تم إعلان الحرب بينهما، ومحاولة نابليون لغزو أوروبا وفتحها أمام التجارة الفرنسية. هذا ما جعل الفكر الإقتصادي يبحث عن الطريقة المثلى للخروج من هذه الحلقة المفرغة، وبذلك برزت أطروحات التجارة الدولية والتي توفر شرط ضروري وأساسي والمتمثل في شعار دعه يعمل دعه يمر أي المطالبة بالحرية الإقتصادية وعليه فإن هذه الأطروحات – وهذا هو الإعتقاد السائد عند الحكام – بأن هذه الأمم إنما هي في الواقع إمتداد طبيعي للمتربول وهي أجزاء لا تتجزأ عن مناطق النفوذ التابعة للسلطة الوطنية. وهكذا نجد أن أمثلتهم المستخدمة في بنائهم النظري قد إعتمدت جميعها على الدول الأوروبية (أو الدول الصناعية مثل أمريكا فيما بعد).

لقد سعينا في هذا الفصل إلى إستخلاص المتغيرات المحددة لظاهرة الهيمنة وذلك من زاوية التجارة الدولية حتى نعطي التحاليل طابعة الكمي تجنبا للبعد الفلسفي، فأهمية التجارة الدولية تختلف من دولة إلى أخرى وعادة ما يشتد النزاع – كما رأينا – فيما بينها لإكتساب أسواق جديدة، ومن ثمة برزت هذه الأطروحات للإتجاه الليبرالي لتؤكد ضرورة التخصص وتقسيم العمل الدولتين كما إكتشف مزايا المبادلات الدولية من خلال التأكيد على ميل معدل التبادل ونسب عوامل الإنتاج بسبب فروقها النسبية، وبالتالي عملت على إرساء قواعد ثابتة وفعالة لنوعية المبادلات من خلال التركيز على الجوانب الإيجابية مع إغفال الآثار السلبية التي قد تتولد من جراء هذه الحركات، فهذا الإغفال ناجم عن فلسفة النظام الليبرالي الذي يرى بأن الحرية الإقتصادية تأتي كنتيجة مباشرة مما يتمتع به الإنسان من حريات فردية وسياسية. ذلك لأن قيمة الأشياء لا تعود إلى ذاتيتها وإنما إلى مدى إحتياج الأفراد لها وعليه فإن الغاية تتمثل في وجوب إمتناع الدولة نهائيا عن التدخل في النشاط الإقتصادي. وترك لكل فرد حرا في القيام بذلك النشاط على نحو يحقق مصلحته الذاتية وفي ذات الوقت يحقق المصلحة العامة، يمكن أن يرد عليها بعض الإستثناءات تبعا للظروف والأحوال.

إذ يسمح للدولة بالتدخل في الميدان الإقتصادي والحد من الحرية التي ستمتع بها الأفراد وفي ذلك يقدم (آدم سميث) هذه المجالات أهمها المحافظة على القوة البحرية الوطنية، وما يتضمنه ذلك من الموافقة على إحتكار السفن الوطنية لعمليات نقل المنتوجات الوطنية بين إنجلترا ومستعمارتها والبلاد الأخرى، كذلك حماية الصناعية والطنية الخاضعة لضريبة في الداخل، عن طريق قرض ضريبة مماثلة على البضائع الأجنبية المنافسة لها من أجل تحقيق نوع من العدالة بين السلعتين في مجال التنافس في السوق الداخلي وفي هذا السياق يمكن للدولة فرض ضرائب إنتقامية – أي عالية – على بضائع السلع الأجنبية وفقا لمبدأ المعاملة بالمثل. كما يسمح لتدخل الدولة من أجل تقييد الصادرات لاسيما إذا تقلق الأمر بالمواد الضرورية للصناعات الوطنية، وفرض رقابة على العملات والماركات التجارية تفاديا للغش والتزوير وتحديد سعر الفائدة ( L. BOURCIER 1971: 15 ) : وهذا ما يؤكد خلفية هذا الفكر الذي ينطبق من الدفاع عن المصلحة الوطنية ويمكن تعميم هذه الأفكار لدى الكلاسيك وهذا يترجم الوقائع التاريخية التي عرفتها أوروبا خلال هذه القترة والتي لا زالت مستمرة إلى يومنا هذا ولكن على نطاق أوسع، وعلى نفس الوتيرة ونفس المنطق خطت المدرسة النيوكلاسيكية معالجتها لموضوع التجارة الدولية إلا أنها إستخدمت أدوات تحليل مغايرة لتلك الأدوات التي إستخدمها الكلاسيك، إذ ركزوا على فكرة التوازن وآلياته وفكرة الأمثلية في التجارة الدولية (أنظر والراس) وطريقة تحديد أسعار عوامل الإنتاج وعلاقتها بأسعار المنتجات (أنظر إدغورث وباريتو) من ثمة إنصبت إهتماماتها على أهمية السوق لاسيما سوق عوامل الإنتاج كما هو الحال عند (أولين وهيكشر) اللذين إهتما بدوافع قيام التجارة الدولية مركزين على نسب عوامل الإنتاج ومدى وفرتها وندرتها. كما إهتما بقابلية تنقل عوامل الإنتاج وهكذا واجهت هذه النظرية جملة من الإنتقادات من داخل التيار أو التيار المضاج لاسيما فيما يتعلق بموضوع الإنتاجية والتباين في الأجور، وفي هذا السياق حقق (ليونتيف) في صحة هذه الأطروحة وبين أن آثار التباين تكمن أجل إستيعاب هذا التطور فإنه من الضروري تفحص المميزات الخصوصية التي يتمتع بها كل عامل من العوامل وهذا تبعا لكل دولة على حدة. وعليه فإن (هيكشر وأولين) أخفقا في تحيد دوافع التخصص وتقسيم العمل الدوليين.
وعموما فإن هذه الأطروحات بما فيها دروة المنتج (لفرنون) وحتى درب التوسع النوعي للسوق (للندر) إقتصرت على تحليل المبادلات التجارية أي أنها قامت بتحليل جانب الميزان التجاري والذي يمثل بلدا من بلود ميزان المدفوعات، ولم يبنوا وضعية الميزان التجاري في حالة العجز أو الفائض وطرق موازنته، وهذا ما جعلنا نقوم بعرض أفكار (كينز وفريدمان) اللذين أكدا على العلاقة الموجودة بين النقود والتجارة الدولية، وفي هذا الإطار أقام (كينز) علاقة متينة بين أثر الدخل والمضاعف على التجارة الدولة، ولقد توصل إلى أن تغيرات الدخل الوطني الناتجة عن المبادلات الدولية غالبا ما تؤدي إلى تعديلات الصرف، بينما (فريدمان) فإنه أقام علاقة بين الطلب على النقود بالقدرة الشرائية وعلاقة ذلك التجارة الخارجية وأسعار الصرف وبين دوافع اللجوء إلى الاقتراض وهذا من أجل التعويض الكلي أو الجزئي لصافي العمليات الجارية، وهذا يترجم إمكانية إتجاه المدفوعات في حالة تصدير الرساميل المماثلة لحالة إستيراد السلع والخدمات، كما أن الاستيراد رأس المال يمكن أن ينظر إليه بإعتباره استيراد للأوراق المالية أو الودائع المصرفية من البنوك الأجنبية وعليه فإن تصدير رؤوس الأموال يعمل على زيادة عرض عملة الدولة في أسواق الصرف وهذا حال استيراد السلع (212: 1978 LECAILLON)، وهكذا يمكن القول أن الهيمنة لا يمكن حصرها فقط استيلاب الفائض وفرض نمط معين من التخصص وتقسيم العمل وضم الأقاليم، بل يمكن استخلاصها أيضا من القصور الذي تمالي منه الدول المتخلفة نتيجة ندرة عنصر رأس المال وهذا ما شؤدي إلى تفاهم الديونية التي تكمن في الأسباب التالية (جورج قوم 1980: 35).

1-تزايد الاستدانة ناجم عن ضعف البنى الاقتصادية لدى غالبية الدول المتخلفة وهذا يجعلها عاجز عن التسديد –كما سنرى ذلك- وهذه الديون في الغالب موجهة للاستهلاك.
2-التقلبات الاحتياطية في إدراداتها من التجارة الخارجية والمتأتية من صادراتها المشكلة أساسا من المواد الولية، وهي بطبيعة الحال تخضع ليمكانيزمات السوق الدولية وهذا يؤثر سلبا على احتياطات ه>ه الدول من العملة الصعبة وهكذا يزداد العجز وصعوبة التسديد.
3-ضعف الاستيعاب لرؤوس الأموال، ويعود السبب في ذلك إلى نقص الاطارات وضعف المبنى الاقتصادية وكذلك ضعف اليد العاملة المؤهلة والمدربة، فهذه العناصر تمثل في حقيقة الأمر الجانب الذي اعتمدت عليه الدول المتقدمة في بسط هيمنتها على دول المحيط.

لم يحظ موضوع الإمبريالية بإهتمامات المدرسة الماركسية فقط، بل نجد تحاليل أخرى متنوعة لغير الماركسيين علج الموضوع نفسه، من بينهم (بلومبيتر) الذي اعتبر الإمبريالية غاية موجهة لهدف غير ملموس، فهي تقوم على أنقاض جعلة من الهياكل الاجتماعية الموروثة، أما الماركسية فقد اعتبروها تحصيل حاصل للتحول من الرأسمالية التنافسية إلى المرحلة الاحتكارية مؤكدين في ذلك على الدور الاستراتيجي الذي تقوم به المصارف لا سيما من خلال علاقة المتربول مع المستعمرات، فقد قامت إنجلترا بتصدير إلى مستعمراتها بينما وظفت فرنسا رؤوس أموالها في أوروبا بصورة رئيسية، ومن ثمة فهي ذات طابع ربوي وعليه تبرز الإمبريالية من خلال دمج الرأسمال الصناعي وكذلك من خلال دمج رأس المال وتفضيله على تصدير البضائع وهذا لا يتحقق إلا عن طريق ضمان التقسيم الإقتصادي مابين الإحتكارات سواء كانت في شكل كاتلات أو تروستات ويضيف (بوخارين) على ذلك سياسة الحماية الجمركية التي تخدم الإحتكارات فهي بذلك تلعب دروا محفزا على التوسع وتكمن الفائدة من تطبيق هذه السياسة في الفوائد التي تجنبها الإحتكارات من الحماية التي تسمح لها بتمويل سياسة الإغراق والمحافظة على المنافذ المكتسبة في السوق الدولية وفي هذا السياق يؤكد (بوخارين) على أن تقسييم العمل الدولي ما هو إلا إمتداد التقسيم الداخلي بين قطاعات الإقتصاد الوطني، إذ تتميز إقتصاديات الدول المتقدمة بقطاع صناعي متقدم بينما تعاني الدول المتخلفة من ظاهرة الإزدواجية وهذا يزيد في إتساع الهوة بين المجموعتين وهذا واضح من خلال إختلاف الأسعار وهذا الإختلاف يعزز موقع الإمبريالية إذ يسمح لها بتخقيق معدل ربح إضافي عن طريق تحويل جزء من فائض القيمة نحو المتربول للإختلاف الموجود في التركيب العضوي لرأس المال.

أما بالنسبة (لروزا إكسمبورغ) ركزت في أطروحاتها على تحليل طريقة إمتصاص الفائض من خلال تحديد التناقض بين الطاقات غير المحدودة لتوسع القوى المنتجة والطاقات المحدودة للإستهلاك الإجتماعي الذي يستند إلى علاقات التوزيع الرأسمالية نتيجة التناقض الذي يعكس المخالف ليمل الربح للإنخفاض ومن ثمة وإن أطروحة (لكسمبورغ) لا تتعارض مع الأطروحات السابقة، بل تختلف معها في بنائها النظري والزاوية التي يحدد كل منهم على ضوئها طبيقة الأمبرايالية وعليه فإنها توصلت إلى تحديد سبب توسع التجارة الدولية الذي يقوم بشكل فطري لدى الرأسمالية بهدف توسيع الأسواق، وهذا لا يتحقق بإمتصاص الفائض سواء في المرحلة التنافسية أو في المرحلة الإحتكارية.

عموما تعكس هذه الأطروحة بحق الفكر الماركسي التقليدي، الذي تم تطبيقه في بعض البلدان لاسيما بعد قيام الثورة في روسيا، وعملت هذه الثورة على تحقيق حلم (ماركس) القيم إذ تجند الفكر إثراء الفكر الماركسي من خلال التركيز على فكرة الإستغلال وصراع الطبقات وآليات تطور القوانين الرأسمالية، وهذا بهدف الثقافة الماركسية على الصعيد الداخلي ونقلها إلى الأمم الأخرى لاسيما بعد بروز موجة الحركات التحريرية في العالم، وسعيا لضمان موقعها في النظام الإقتصادي الدولي سعي الإتحاد السوفيتي إلى منافسة القطب الرأسمالي ويمكننا وضع مخططا يوضح ذلك:

وما دام نهناك سوق عالمي وحيد فإن العلاقات الإقتصادية التي يقيمها الإتحاد السوفيتي ستكون لها نفس المميزات والسلوك الذي تنتهجه الدول الرأسمالية ومن ثمة لا يمكن القول بأنها تستخدم الهيمنة لفرض سلطاتها على الأمم المتخلفة كما هو الحال لدى الدول الرأسمالية المتقدمة ؟ وإن كانت غير ذلك فلماذا لم تسهم في تطوير هذه الدول لاسيما تلك سارت على نهجها ؟ ومن هنا ظهرت الأطروحات الحديثة والتي يسميها البعض باليسار الجديد (صامويلسون 1993 : 306) وقد ركزنا في ذلك على إقتصاديين الدول المتخلفة، الذين عالجوا ظاهرة التخلف وأعطوها بعدا تاريخيا بتحميل المتروبولات مسؤولية ذلك ومن هنا جاءت أطروحة (فرانك) التي عالجت ظاهرة نمو التخلف معتمدا في ذلك على المنهج التجريبي وكذلك المنهج التاريخي وبين العلاقة التي تقيمها الولايات المتحدة الأمريكية مع البرازيل ومركزا على الإستثمارات المباشرة ودور البرجوازية المحلية في تحويل الفائض، كما أكد على طبيعة الأنشطة التي تقيمها المشروحات الكبرى والتي اتجهت جميعها إلى النشاط الإستهلاكي والخدمي ولا توجد إلا نسبة قليلة من المشروعات التي سماهمت في بعض الصناعات ولكن بالإقتصاد على التركيب أو المساهمة في الصناعات التحويلية ويخلص إلى نتيجة مفادها أن هذه المشروعات وهكذا فإن الهيمنة تبرز من خلال إستقطاب بين المتربول بالتراجع وكذلك من خلال الإنحراف في مستوى القوى الإنتاجية الموسع لرأسمال الإجتماعي والإستحواذ على الفائض بطريق مختلفة.

أما (إيمانويل)، فإنه بحث في موضوع التبادل اللامتكافئ وذلك بالإعماد على مجموعة من الفرضيات مع التأكيد على العلاقة التي نقوم بين المركز والمحيط من خلال حركة السلع والخدمات وكذلك حركة رؤوس الأموال، وبين بأن التبادل اللامتكافئ يكمن في إختلاف الأجور الذي يعد ذو دلالة وأهمية من ناحية إبراز مفهوم الهيمنة التي تفرضها دولة تجاه دولة اخرى وتكون هذه الهيمنة مبنية على أساس التطور اللامتكافئ لمختلف الدول، وعليه فإن التبادل اللامتكافئ يكمن في الإختلاف الكمي ! بينما لا يوجد أي إختلاف من ناحية نوعية التبادل فالدول المتقدمة الصناعية تمكنت من نقل القيم وتوجيهها من أجل خدمة مصلحتها العليا وهذا أدى إلى تعزيز إقتصادياتها وزيادة ثروتها أم المجموعة الثانية، أي دول المحيط، فإنها تمتاز بإقتصاديات متخلفة وتفكك في بنية إقتصادياتها وبغلب عليها طابع الإزدواجية، ولقد قام (سمير أمين) بإثراء ومناقشة أطروحة (إيمانويل)، وقد بين أن المساهمة الحقيقية له تتمثل في إكتشافة للإختلاف القائم بين الأجور معتمدا في هذه النتيجة على إعتبار الأجر متغير مستقل. فالعمل تترجم في الواقع بضاعة دولية تتمتع بقيم دولية، لقد أزال (سمير أمين) الغموض على العلاقة التي تقوم بين المعسكرين الإشتراكي والرأسمالي وموقع الدول المتخلفة بينهما وأثبت بأنه لا يوجد سوقين عالميين بل يوجد سوق عالمي واحد، ومن ثمة فإن العلاقات الإقتصادية بين المحيط والمعسكر الإشتراكي لا يمكنها الخروج عن نطاق التبادل اللامتكافئ لكونهما مرتبطين بتطور هذا النظام لإنعدام القوانين الخاصة التي تحكم علاقتها الدولية.

وعليه يمكننا القول بأن (إيمانويل) و (أمين) عالجا الهيمنة من زاوية التجارة الدولية وقد جاءت هذه الدراسة من باب المجاز لكونها دراسة إهتمت بمناقشة موضوع التخلف التي تعاني منه دول المحيط وقد أثبتا بأه لا يمكن فصله عن موضوع العلاقات الإقتصادية الدولية، ومع ذلك فإنه لايمكن أن تكون هذه الأطروحات كافية لتحديد مفهوم الهيمنة، لكونها جعلت من الهيمنة حكما بعديا ومجرد نتيجة لمجموعة من السلوكات والعلاقات الأخرى التي هي في أغلبها سلوكات وممارسات لها أبعادها التاريخية، وعليه يمكن عرض أطروحة أخرى إمتازت عن كل الأطروحات السابقة لإعتماد منهج متميز والمتمثل في التحليل البنيوي وعالجت الموضوع محل الدراسة إذ جعلت منه غاية البحث وهدفه، والتي قام بها (فرنسوا بيرو) من أجل تحديد مفعول الهيمنة. ومن ثم نتسأل عن جوهر التحليل البنيوي وما هو مضمون هذه الأطروحة وأبعادها ؟

إنقر هنا للإطلاع على المزيد ..