مفاهيم أولية خاصة بمنهجية البحث

مقدمة:يعالج البحث محلَ الدراسة موضوع الهيمنة وذلك في إطار العلاقات الإقتصادية الدولية، الذي يتطلب التحكم في جملة من الأدوات والمفاهيم الاساسية التي سيكرر إستخدامها بغية تحديد الظاهرة موضوع البحث، وهكذا سنعتمد في بحثنا على التحليل المعرفيAnalyse Epistemologique ومن ثمة نتسأل ماهية التحليل المعرفي، أي الإيبستيمولوجي وماهي حدوده؟ فالتحليل المعرفي يمثل في نظر العلم التشوش الدائم الذي يهز العقل البشري إلى معرفة المجهول ولذلك يبرز هذا النوع من التحليل دائمل في المسائل الخلافية – على حد تعبير كلود برنارد- وفي الميادين العليا التي هي الحدود القصوى للعلوم وبذلك يمتاز التفكير العلمي بحركة تؤججه وترفع شأنه (يعقوبي 1984: 11) وعليه سنستخدم هذا التحليل بهدف كشف خلفيات الأطروحات التي إعتمدناها في دراستنا، كما سيسهل التمييز بين بعض الإصلاحات الأخرى عيدية منها التمييز بين الإصلاح المذهب والمدرسة والإتجاه وذلك لما يحيط بهذه الإصلاحات من غموض لازال قائا إلى يومنا هذا في تحديد الأسس التي تقوم عليها هذه الإصلاحات، فالمتهمون بتاريخ الفكر الإقتصادي يستخدمون هذه الإصلاحات دون تبرير أسباب إختيارهم لذلك، وعليه فإنه من الأهمية بمكان توضيح جوهر هذه الإصلاحات من خلال تحديد بعدها العلمي وكذا المنهجي، ومن أجل بلوغ ذلك – وهذا حسب إعتقادي- فإنه يتحتم علينا إستخدام التحليل المعرفي السالف الذكر الذي يعتمد على الدراسة الناقدة لمبادئ وإفتراضيات ونتائج العلوم المختلفة، بحيث تكون دراسة تهدف إلى تحديد أصلها المنطقي وقيمتها وأهميتها الموضوعية، وهذا سيكون بمثابة مساهمة منا في إماطة اللثام عن هذه المفاوضات التي لازمت الفكر الإقتصادي.

لقد تم تحديد الموضوع محل الدراسة في إطار العلاقات الإقتصادية الدولية، وفي هذا السياق يتردد مصطلح النظام مقترنا بهذا الفرع الهام من العلوم الإقتصادية، ولقد إستخدم الكثير من الباحثين هذه النظرية – أي نظرية القيم- لمعالجة العلاقات الدولية، إذ بتوضيحها يتيسر لنا الوقوف على الإختلاف الجوهري بين مفهومين شائعين في هذا المجال، ويتعلق الامر بمصطلح النظام الإقتصادي العالمي من ناحية والنظام الإقتصادي الدولي من ناحية أخرى فهل يمكن تحديد تعريفا خاصا لكل منهما وماهي الفروق الجوهرية بينهما بالإضافة إلى هذه الفروقان سنتعرض إلى مفاهيم أخرى لا تقل أهمية عن المفاهيم السالفة الذكر نذكر منها التحول من الرأسمالية التنافسية إلى المرحلة الإحتكارية وكذلك أنواع المشروعات الضخمة ومفهوم التركيز والتمركز وغيرها من المفاهيم التي ستتكرر معنا في البحث محل الدراسة والتي تيسر لنا سبل الدراسةأولا: التحليل الإبيستيمولوجييرجع إستخدام مصطلح إبيستيمولوجيا إلى الفيلسوف الأسكوتلندي فيري J.F.Ferrier وذلك سنة 1845 أين قسم الفلسفة إلى قسمين (دويدار 1981: 18) – الفلسفة الأولى- الأتثروبولوجيا- والتي يعني بها فلسفة الوجود وهي قديمة وتعود جذورها التارخية إلى الفيلسوف أرسطو طاليس، أما الفرع الثاتي فتمثل الإبيستيمولوجيا والتي يطلق عليها أحيانا نظرية المعرفة الخاصة، وهي في الحقيقة تترجم الإمكانيات الهائلة التي يتمتع بها الباحث على معرفة الواقعوذلك بإتباع مصادر ومناهج تتطابق وهذه المعرفة، وعلى ضوء ذلك يتخذ الباحث موقفا من القضية الأساسية وذلك فيما يتعلق بأولوية إحداهما على الأخرى، وكذلك طريقة ربط معرفة الكون بالكون نفسه وهذا الأسلوب يعبر عن الفكر الإنجليزي ويعكس قناعته، لكن الفرنسي لم يستخدم هذا الإصطلاح إلا في مرحلة لاحقة، وقد جاء إستخدامهم له من أجل التمييز بين فلسفة العلوم عن نظرية المعرفة، أين تبحث فلسفة العلوم في شروط نشأة العلوم الناقدة لمبادئ وإفتراضيات ونتائج العلوم المختلفة، دراسة تهدف إلى تحديد أصلها المنطقي وقيمتها الموضوعية ( دويدار 1981: 19)بينما تهتم نظرية المعرفة بدراسة العلاقة بين من يستخلص المعرفة (sujet) وموضوع المعرفة (objet) هذه العلاقة تعبر عن طبيعة المعرفة الإنستانيو وكذلك ميكانيزمات إستخلاصها وأهميتها وحدودها (LALANDE 1962:293) وعليه يمكن تحديد ماهية التحليل الإبستيمولوجي، أين تخضع العلوم بصفة عامة لقاعدة التأمل، حيث تعتبر الملاحظة الأساس الذي تحدد وفقة الظواهر العلمية وعليه تعني قاعدة التأمل البحث في حقيقة الظواهر ومعرفة مواهيها وذلك من خلال إجراء التجاري عليها- حال العلوم الدقيقة والطبيعية- أو الإرتقاء بها إلى المستوى المجرد وهذا هو حال العلوم الإنسانية قصد معرفة القوانين التي تتحكم فيها، فهي تنطلق جميعها من المبدأ السالف الذكر الذي يعمل في البحث عن الحقيقة ومن ثمة تعد جزءا أساسيا من الفلسفة، وبذلك تختلف عن الطرح العلمي من حيث النوع وكذلك من حيث المنهج، بالرغم من أن الفلسفة تضم تحتها جميع العلوم قبل أن يتم إنفصالها عنها، وفي هذا السياق قام إقليدس بفصل الرياضيات، وكذلك غاليلي في مجال العلوم الفيزيائية كما فصل كلود برنارد علم الأحياء، وقام آدم سميث بفصل علم الإقتصاد من خلال مؤلفه الشهير أسباب وطبيعة ثروة الأمم الذي تميز بالبناء العقلي والمنهجي ودقة التأمل والملاحظة من أجل تفسير الأسباب والطبيعة التي تنشأ من خلالها ثروة الأمم ومجموعة التفاعلات المتعاكسة التي تخدم غاية مؤلفه.وهكذا إتجهت نظرية المعرفة في نفس الإتجاه الذي سلكته الفلسفة الحديثة التي إتسمت بالنظرية النقدية للمواضيع وهذا من أجل معرفة طبيعتها وكذلك معرفة قيمتها وإمكانيتها، وبالتالي نجم عن هذه النظرة النقدية حكما حقيقا يتضمن في الواقع حكما قيميا (jugement de Valeur) .ولقد إعتقد باشلار بأن نظرية المعرفة تعكس عدم تناقض الفكر نفسه ويتجلى عدم التناقض من خلال عملية القياس كما يمكن أن يتجلى من خلال الحقيقة التجريبية، وعموما فإن هذه الحقيقة التجريبية ليست أمرا جاهزا كما أنها ليست في متناول الجميع إذ لابد من تمييزها عن أشباه الحقائق وعليه يجب نهج السبيل السليم الذي يقودنا إليها (BACHELARD 1974:11) .مما سبق يمكن تعريف فلسفة العلوم على أنها مبعثرة أو بعبارة أصح فلسفة موزعة وهذا عكس الفكر العلمي الذي يبدو أنه منهج مرتب ترتيبا دقيقا لكونه منهجا تحليليا يمتاز بالدقة ( وقيدي 1987: 25) وفي هذا السياق نشير إلى أن نظرية المعرفة تتطلب من الباحث الإجابة على جملة من التساؤلات منها كيف يفكر الباحث وماهي الأخطاء التي يرتكبها كما نتسأل عن التناقضات التي يقع فيها أثناء قيامه بالبحث، والواقع تترابط هذه التساؤلات وتتداخل في شبكة الحقيقة، التي تنطلق من نشاط العقل وحده والذي يستخدم العلم كمصدر لإصدار الأحكام، وفي هذا الإطار يعترف كونت في مؤلفه ( دروس في الفلسفة الوضعية) على أن أي نظرية علمية تدعي أنها بإمكانها معرفة حقيقة الظاهرة تصبح تعبيرا ميتافيزيقيا، وهذا ينبغي رفضه رفضا قاطعا ذلك لأن العلم لا يبحث في ماهية الاشياء بل يكتفي عند حد الوصف الخارجي للظاهرة ، إذ يهتم بكيفية حدوثها في حين لا تعرف – حسب كونت- الجوهر ولا حقيقة وجود أية واقعة، بل نعرف فقط علاقتها بالواقع الأخرى سواء إتخذت هذه العلاقة صوة التتابع أور التساوي ( وقيدي 1987: 26).وعليه فإن نظرية المعرفة هي دراسة نقدية موضوعها المعرفة العلمية من حيث المبادئ التي تستند إليها والفرضيات التي تنطلق منها والنتائج التي تنتهي إليها، أما هدف الدراسة فيتمثل في البحث في الأصول المنطقية لهذه الفرضيات والمبادئ والنتائج من جهة وإبراز قيمتها من جهة أخرى (وقيدي 1987: 31) وعليه تعد الإبستيمولوجيا بمثابة التحليل النفسية للمعرفة الموضوعية، بمعنى أنها تحليل نفسي موضوعه لاشعور الباحث العلمي وغايته إكتشاف جملة العوائق التي تعوق عملية المعرفة والتي يسميها باشلار بالعوائق الإبيستيمولوجية وعليه يمكن أن تكون أنماط أخرى من التفكير كانت دائما على علاقة به ولاسيما التفكير الفلسفي.ومادام البحث محل الدراسة يهتم بظاهرة ناتجة عن المعاملات التي تتم بين الأمم وهي قديمة لها جذورها التاريخية، كما أنها ليست بالفلسفية ذلك لأننا أضفنا عليها الطابع الكمي، ومن ثمة فإن تحديدها تحديدا دقيقا يتطلب إستخدام الإيبستيمولوجيا لكونها تقوم على النقد، وعليه فإن الفكر الإقتصادي – كما سنرى ذلك- لم يتعرض لاسيما الإتجاه الحر لهذه الظاهرة ولم يكشف عنها، لكن بإستخدام الإيبستيمولوجيا من خلال تفحص خلفيات أطروحاتهم وأفكارهم يتجلى لتواجدها هذا النوع من التحليل، هذا ما دفعنا إلى التعريف به وتحديد ماهيته من أجل توضيح الإطار العام للبحث، زمع ذلك فإن هذا الإطار يتطلب إطارا منهجيا دقيقا يسلكه الباحث المستخدم للتحليل الإيبستيمولوجي.ومنه إذا كان التأمل يمثل منبع الملاحظة التي تحد الظواهر العلمية، فإن الباحث لا يكتفي في هذا المجال بتجميع الملاحظات وترتيبها وتصنيفها بل يعمل جاهدا على تفسير الظواهر وذلك من خلال تقديم فكرة يفرضها تفسيرا للظاهرة محل الدراسة، لكونها تمثل دليله في التجريب، كما تعد نقطة الإنطلاق الضرورية لكل إستدلال تجريبي – على حد تعبير كلود برنارد – ( وقيدي 1987: 42) بينما ينكر ستيوارت ميل أن يكون لمبادرة الباحث دخل في إعداد المعرفة العلمية، ومن هنا كان من الضروري البحث في خفايا المنهج العلمي ومحاولة شرحه، وإبراز العلاقة الموجودة بين التحليل الإيبستيمولوجي من جهة والمنهجية المستخدمة في البحث العلمي من جهة أخرى.1- الملاحظةإن المفتاح المناسب لتفكيك لغز القيام بالبحث – على حد تعبير صامويلسون – تكمن في طرح السؤال الجوهري لماذا وكيف Le pourquoi et le comment فالباحث لا يكتفي في مرحلة أولى بتجميع الملاحظات وترتيبها وتصنيفها بل يعمل جاهدا على تفسير الظواهر وليس البحث عن معرفة حقيقتها لأن ذلك يندرج – كما ذكرنا- في الجانب الميتافيزيقي. فهو بذلك يقوم بتقديم الفكرة التي يعتمدها بغية تفسير الظاهرة محل البحث لكونها نمثل الدليل في التجريب، وعليه فإن المنهج التجريبي يعكس المواقف التي يقفها الباحث تجاه الحادثة التي يعمل على تفسيرها، ومن ثمة فإن الملاحظة تعد اللبنة الأولى في البحث من أجل التحقق من صحة فرضياته ( محمد دويدار 1981: 21) وهكذا يعني العلم بالملاحظة أي ملاحظة الظواهر الحسية وتصنيفها والكشف عما يقوم من تتابع ودلالت نسبية والإرتقاء إلى إصدار أحكام وصفية على هذه الوقائع التي تمثل في الأساس قوانين العلم.2- التجربة العلمية:وهي مرحلة أرقة منمرحلة الملاحظة، إذ تعد بمثابة الملاحظة الواعية والهادفة، ذلك لأن الباحث يرقب الظاهرة ويسجل حالتها من غير أن يحدث فيها أي تعديل أو تغيير فقد يؤثر على النتائج الحقيقية التي قد يتوصل إليها، بينما في حالة التجربة الي يدرسها في ظروف غير عادية تم الإعداد لها بإتقان وهيأ لها الظروف المواتية مسبقا عملامنه على تحقيق أغراضه بغية تفسير الظاهرة محل الدراسة فهو بذلك يترك مجالا لتحركه من أجل إدخال التعديلات المناسبة في ظروفها كما يعدل في تركيبها حتى تبدو في أنسب وضع صالح لدراستها (محمد دويدار 1984: 22) وعلى ضوئها يصدر الباحث أحكاما تتمثل في الحكم البعدي أو التحكم التركيبي البعدي (Jugement posteriori) الذي يمثل إصدار أحكام القبلي (Jugement à priori) أو الحكم التركيبي القبلي، والذي يجبر الباحث على إيجاد علاقة سببية بين الظواهر حتى يتسنى له تفسيرها وذلك قبل القيام بأية تجربة وعليه فإن الحكم القبلي يعد ضروريا تستلزمه بنية الفكر.إلا أنه يصعب إستخدام التجربة في مجال العلوم الإجتماعية بصفة عامة والعلوم الإقتصادية بصفة خاصة، هذا ما يجعل الباحث يلجأ إلى القيام بالتجريد الذي يلعب الدور ذاته في المنهج العام للبحث العلمي، فالتجريد يمثل خطوة واحدة بينما تتطلب العملية خطوتين إنطلاقا من تحديد الملموس والقيام بتجريده، ثم الإنتقال من المستوى المجرد إلى الملموس مرة أخرى عن طريق إستخدام التجريد المتعاقب ( محمد دويدار 1984: 24).3- إستخلاص القوانين من المعلموهي المرحلة تلي مرحلة التجريد أو التجربة، إذ يتم إصدار أحكاما وصفية على هذه القوانين والتي تمثل القوانين العلمية، وهكذا بعد القيام بالتجربة أو التجريد يتم إستخلاص القوانين وكذلك القواعد العلمية عن طريق الإستقصاء وبعبارة أخرى تحليل موضوع البحث عند مستوى معين من التجريد من خلال إستخدام المنهج الإستقرائي – الإستنتاجي الذي يترجم الإستخلاص المنطقي من جهة والإستدلال الصاعد الذي يرتقي فيه الباحث من الحالات الجزئية إلى الحكم العام وهذ يمكنه من تحديد الأفكار والمقولات التي تتعلق بالموضوع محل الدراسة والبحث.بعد الإنتهاء من هذه الخطوات يخضع الباحث نتائجه للإختبار والتدقيق من صحة النتائج المتوصل إليها المفسرة للظاهرة محل البحث وللتحقيق من مدى صحتها وذلك قبل الشروع في تطبيقها والعمل بها عن طريق معرفة الظاهرة النوعية والكمية القابلة للقياس لأن النوع والكم لايمكن فصلها رغم تضادهما ( دويدار 1984: 25) وعليه فإن هذه الشروط والمراحل مجتمعة تمثل أساس المعرفة العلمية، وما يمكن قوله في هذا المقام أن الفرق بين القوانين الموضوعية للظواهر والقوانين العلمية تمثل في الفرق بين الظواهر في واقعنا وبين المعرفة المتعلقة بها أي بين الواقع والنظرية العلمية.ولقد عمدنا إلى عرض هذه المفاهيم لما لها من صلة وثيقة بمنهج البحث محل الدراسة الذي يعالج الظاهرة، يعتقد الباحثون بأنها ذات طابع إجتماعي ومن ثمة فإننا سنعمد إلأى تكميمها وقياسها لكونها ظاهرة مرتبطة باتلعلاقت الإقتصادية الدولية، وفي هذا السياق إستخدمت هذه الظاهرة من طرف المدرسة الماركسية إلا أنهم جعلوا منها حكما تركيبيا بعديا وإعتبروها من الآثار السلبية التي تنجم عن التوسع تارة والمبادلات الدولية تارة أخرى. ولقد سلكت الأطروحات المفسرة للعلاقات الإقتصادية الدولية سواء تلك التي إهتمت بالإمبريالية أو التخلف وحتى الإتجاه الإيجابي الذي بين أسباب قيام التجارة الدولية واللجوء إلى التخصص وتقسيم العمل الدوليين على مناهج معينة في التحليل نذكر منها المنهج التاريخي وكذلك المنهج الوصفي والإستنتاجي وحتى التجريبي ومنها من إعتمدت التحليل بإستخدام المنهج البنيوي، وفي هذا السياق سنعمل على توضيح ماهية البنيوية وجوهر المنهج البيوي الذي سيبرز في بحثنا من خلال عرض أطروحة مفعول الهيمنة لبيرو الذي إعتمد هذا المنهج لبلوغ غايته.إن إصطلاح البنيوية مشتق من كلمة بنية، وهي من أصل لاتيني Struere المرادفة لكلمة بني في اللغة العربية وهي تعني الهيكل أو الكيفية التي يوجد الشيئ عليها، أما في اللغة بنية الشيئ تعني ما هو أصيل فيه جوهري وثابت لا يتبدل بتبدل الأوضاع، وفي هذا السياق يعرف لالاند LALANDE البنية على أنها تستعمل من أجل تعيين كل مكون من ظواهر متضامنة، بخيث يكون كل عنصر فيها متعلق بالعناصر الأخرى فهو لايستطيع أن يكون ذو معنى إلا في نطاق هذا الكل، أما (ليفي شتروس) فإنه يحد أربعة شروط حتى يتحقق إستخدام البنية على النماذج وهي (مهيبل 1991: 16)1- تتميز البنية بكابع المنظومة، فهي تتألف من عناصر ينتج عن تغير أحدها تغير العناصر الأخرى كلها.2- كل نموذج ينتمي إلى المجموعة من التحولات التي يطابق كل منها نموذجا من أصل واحد بحيث أن مجموع التحولات يشكل مجموعة من الخارج.3- إن الخصائص المبينة أعلاه، تسمح بتوقع طريقة رد فعل النموذج عند تغير أحد عناصره.4- يجب بناء نموذج بحيث يستطيع عملة صياغة جميع جميع الوقائع الملاحظة.وفي هذا السياق، يحاول( بياجية) تحديد البنيوية بالتقابل مع مواقف أخرى، وعليه نجد إلا مفارقات وتناقضات مرتبطة بجميع تقلبات العلو، والأفكار، وعليه فإن البنية مجموعة تحويلات تحتوى على قوانين المجموعة وبعبارة أخرى أصح تتألف البنية من خصائص ثلاث وهي الجملة والتحولات والضبط الذاتي، بمعنى أنها الكل مؤلف من عناصر متضافرة مترابطة فهي تتكون من العلاقات المجردة التي تقوم بين عناصر وتحولات مظمونة مستقلة نسبية عن المؤثرات المختلفة – وعليه يهمل التحليل البنيوي كل ما هو عرضي من الظواهر ولا يهتم إلا بما هو حقيقي وجوهري وثابت، وبالتالي فإن الوصول إلى هذا الجوهر وهذه الماهية لايمكن نحقيقه إلا من خلال معرفة ماهو أصيل وثابت وقبلي (أي الحكم القبلي)، ومن ثمة فإن هذا النوع من التحليل يقوم اساس على مفهوم النزامن والتعاقب، حيث يتكون التزامن من مجموع الظواهر الملاحظ وهي في حالة سكون أو ثابت بينما التعاقب، فإنه يعني الظواهر نفسها في حالة الصيرورة لتفادي التناقضات داخل الظواهر نفسها في حالة الصيرورة لتفادي التناقضات داخل النسيج البنيوي، وعموما فإن هذا التحليل يتميز بالمميزات التالية (مهيبيل 1991: 20)أ- التأكد على النسق المنطقي الثابت داخل كل بنية وعلى إستقلاله الذاتي بهدف نفي أي دور للتناقض الجدلي، أو تفاديل للمنهج التاريخي.ب- لا تهتم البنيوية إلا بما هو واقعي وحقيقي فهي تجمع بين العقلانية عند (ديكارت) والمطلق عند (هيجل).ج- ينفى التحليل البنيوي أي تدخل للشعور في تفسير الظواهر.د- توظف الرمز بوصفة نظاما جديدا من أنظمة المعرفة.إلا أن (سارتر)، يرى بأن التحليل البنيوي يمثل العوائل المنهجية والمفهومية لكونها تجعل من الإنسان مجرد رقم في معادلة رياضية وفي أحسن الحالات رمزا لغويا في جملة غير مفيدة، بينما تطلعنا التطورات التاريخية على أن العلاقات الإجتماعية في مجتمع معين ليست هي نفسها الموجودة في مجتمع آخر على من علاقات التشابك أو التفاعل التي تنتفي فيها الحواجز وتبرز هذه الصعوبة بشكل واضح وحاد في مجال الدراسات المتعلقة بالشعو التي يسميها (سارتر) شعوب بلا تاريخ ومجتمعات التكرار (مهيبيل 1991: 38 وهكذا رفع (سارتر) من شأن التاريخ كما لم يفعل أحد من معاصريه بحيث أصبح يكون الماهية الاساسية للعلوم الإنسانية ذلك لأن كل تاريخ هو تاريخ قضية ومع ذلك فقد أدت البنية المهمة نفسها في مجال التاريخ الطبيعي أي نهج مفهوم النسق ومفهوم المنهج وعلى الرغم من الإختلافات الموجودة بين المفهومين، فإنهما يقعان في المجال الإبيسيمولوجي ذاته.وفي هذا السياق يرى (فوكو) أنه لايمكننا الحديث عن تحليل الثروة ما نتطرق إلى مفهوم النقود والأسعار، ولتوضيح ذلك حدد هدف المذهب التجاري في إقامة تمفصل متعقل يجعل من النقود للتمثيل ولتحليل الثروات ويجعل من الثروات محتوى ممثلا بواسطة النقود، بينما ذهب المذهب الطبيعي يبحث عن سبب وجود لأشياء التي يحاول البشر تبادلها، إذ لاقيمة للشيئ بدون تبادل بينما عملت المدرسة الكلاسيكية الذي تاسس عليها علم الإقتصاد على تحديد مفهوم العمل، أين ميز (آدم سميث) بين العمل كنشاط وبين العمل كسلعة، وهكذا عمل (فوكو) على إبراز الفكر الإقتصادي في القرن الثامن عشر الذي إهتم بالنظام أكثر من إهتمامهم بالتاريخ، وبالتصنيف أكثر من الصيرورة، وبالعلامات أكثر من آليات العلمية، بل أن الأمر كان يتعلق بإظهار مجموعة محددة من التكوينات المقالية التي يوجد بينها عدد من الروابط القابلو للوصف (جعفر 1978: 143) ولقد عملنا على توضيح هذه المفاهيم المرتبطة ببعضها البعض لأنها سيتكرر إستخدامها في البحث محل الدراسة لاسيما وأننا نعتقد في تحليل هذه الأطروحات إنطلاقا من الإطار الإبيستومولوجي من أجل إستخلاص الهيمنة وتحديدها تحديدا دقيقا بناءا على ترتيب الحادثة التاريخية ترتيبا تصاعديا ومحاولة ربطها بالفكر الذي عمل على شرحها وتفسيرها ذلك لأنه لايوجد بحث علمي لايقوم على منهج معين فالمنهج يقوم بدراسة الحادثة لظاهرة معينة وتحليل أبعادها ومعرفة جوانبها.وعليه فإن منهج البحث العلمي يمثل الطريقة الموضوعية التي يتبعها الباحث في دراسة أو تتبع ظاهرة معينة من أجل تحديد أبعادها بشكا شامل يجعل من السهل التعرف عليها وتمييزها ويسهل معرفة أسبابها ومؤثراتها والأشكال التي تتخذها والعوامل التي أثرت فيها أو تأثرت بها وقياس هذا الأثر أو التنبؤ به بشكل موضوعي دقيق يفسر العلاقات التي تربط عواملها الداخلية والخارجية بهدف الوصول إلأى نتائج عامة محددة يمكن تطبيقها أو تعميمها – كما رأينا سالفا- وهذا ما سنعتمده في دراستنا لظاهرة الهيمنة التي رأينا بأنها مرتبطة بالعلاقات الإقتصادية الدولية ومن ثمة يمكن نكميمها بغية الإبتعاد عن التحليل السوسيولوجي وسنتعقب الظاهرة ونقوم بمتابعتها تاريخيا من خلال أحداث وقائع أثبتها المؤرخون وتم إقرارها في المصادر التاريخية.ويتم دراسة الوقائع التاريخية من خلال التعرف على جزئياتها وتخصيص هذه الجزئيات وتحديد العلاقات التي تربط بينها وبين الظاهرة التي يتم دراستها ومدى توافقنا وإتساقنا مع الإطار العام لحركية الموضوع تاريخيا وسياقه ومعاملة التي رصدها الزمن أو أكدتها التراجم أو الوسائل المعمول بها في كتابة الوقائع التاريخية ومن ثمة فإن إعتماد المنهج التاريخي قد تأخذ أحد الأشكال التالية (رضوان 1992: 52)أ- تتبع وإقتناء الشخصيات بإعتبارهم القوة المؤثرة في التناريخ السياسي أو الإقتصادي وبإعتبارهم صانعيه كالحديث عن (آدم سميث) أو (ريكاردو)....إلخب- دراسة للحدث ذاته بإعتباره الأساس التراكمي للبنيان التاريخي مع غض النظر عن الأفراد الذين قاموا بإنجازه.ج- دراسة للحدث والفرد معا بإعتبارهما كل متكامل يصعب الفصل بينهما.عموما فإن إختبار المنهج التاريخي، يعني محاولة فهم الماضي لتحديد الحقائق العلمية المجردة وتفسيرها وذلك من أجل صياغة الحاضر وحتى المستقبل على ضوء التجارب والخبرات التاريخية، وعليه سنقوم بدراسة ظاهرة الهيمنة في هذا الإطار وعبر العصور وذلك من أجل تتبع تطوراتها وإمكانية تحديدها وصياغتها في الحاضر.وفي هذا السياق فإننا سنعمل على التحقق من المصادر والتأكد من صعقها وموضوعيتها، كما سنتأكد من علاقتها بالبحث وإختيار المعلومات للوصول إلى حقائق الظاهرة محل الدراسة وأن نقوم بتتبعها تاريخيا ومن ثمة لانتحكم في العوامل التي أثرات فيها في الماضي، وسوف لن نقتصر على سرد الأحداث بل سنتابع تطورها مع التركيز على العلاقات والمؤثرات التي تكمن وراء أحداثها وعلاقة هذا الحدث بالعوامل البشرية والجغرافية وعلاقة القوى القائمة في هذا الوقت وليس العوامل الإقتصادية فقط وهذا لإبراز من أن الظاهرة محل الدراسة نمثل ظاهرة متعددة الجوانب وعليه فإن البحث في هذه الأسباب يعد من أولويات البحث محل الدراسة أي الهيمنة.نستخدم في دراستنا أيضا أن المنهج الوصفي، وذلك لكوننا نقوم بوصف خصائص وأبعاد ظاهرة الهيمنة وذلك في إطار معين والمتمثل في العلاقات الإقتصادية الدولية وهذا يتطلب تجميع البيانات والمعلومات اللازمة عن هذه المعلومات بهدف الوصول إلى الأسباب المسببات التي تحكم الهيمنة.وبذلك يتطلب المنهج الوصفي إتباع الخطة بإستخدام التحليل الإيبستيمولوجي ويراعى فيها دقة المنهج المستخدم وأدوات التحليل وذلك من أجل الوصول إلى الهدف المحدد وبناءا عليه يتم إستخلاص ووضع جملة من النتائج أو التوصيات.ثانيا: تحديد مفارقات إصطلاحي المذهب، المدرسةيسعى الباحثون عموما إلى العمل على الإجابة على سؤالين هامين – كما ذكرنا- وهما لماذا وكيف؟واللذان يشكلان مفتاح البحث، وفي هذا السياق يقول صامويلسون... إن أهدافنا تتمثل في فهم لماذا وكيف تتطور الأجور والأرباح حاليا وكذلك العمل ورأس المال.... (صامويلسون 1993:282) وعليه فإن لماذا – حسي إعتقادي- تترجم أهداف البحث وسبل تحديدها والعمل على بلوغها، أما كيف فإنها تعني الأدوات والوسائل المستخدمة اتحقيق هذه الأهداف – وهذا ما وضحناه في المبحث السابق- معتمدا في ذلك على المناهج المناسبة التي تساعد على خدمة الغرض.وهذا ما نجده مجسدا في مختلف الأعمال والابحاث العلمية، إلا أن هناك ثمة مشكلة تواجه الباحث في مجال العلوم الإجتماعية عموما وعلم الإقتصاد بصفة خاصة تتمثل في إستخدام إصطلاح المذهب والمدرسة للدلالة على فكر معين، بإستخدام غير واع وبدون فهم الدلالة التي قد ترتبط بإحدى هذه الإصطلاحات، وإعتبارا من أن البحث محل الدراسة يهتم بالفكر الإقتصادي عموما والنظرية الإقتصادية خصوصا لاسيما تلك المتعلقة بالتجارة الدولية والعلاقات الإقتصادية، رأينا بأنه من الأهمية بمكان توضيح خلفية هذه الإصطلاحات والأسباب التي أدت إلى تبنيها والأخذ بها.لقد إرتبط مصطلح المذهب تاريخيا بالتراث الإسلامي، إذ يشمل في بناء الأصول والمصادر والمنابع وغايتها ومقاصدها وأهدافها وكذلك الافكار والإجتهادات وأخيرا المستندات التي تتضمن إما بالنقل أو بالعقل أو الإثنين معا وإجتهاداته ومستنداته من النقل والعقل وعادة ما نجد لكل مذهب رائد متميز ومجموعة من الأتباع قد يكون بعضهم أعلاما لهم مساهمات سمحت بنطوير المذهب، إلا أنها لاتخرج عن نطاق البناء الذي تم تحديده مسبقا من طرف الرائد ( باقر الصدر 1980: 216) ويعر ف المذهب على أنه المنهج الذي يجمع بين الحقيقة والشريعة، وبعبارة أصح وأدق بين الحقائق الوضعية والعقيدة، فهي تهتم بالبحث عن العام والخاص الكلي والجزئي، وهذا عن طريق المثال والواقع، العقل والترجبة، الصورة و المضمون، فالمذهبيون في أطروحاتهم ينتقلون من الجدار التاريخي إلى البناء العقلي معتمدين في ذلم تحليل أدكار الزمني ويربطون هذا البناء في المعية الزمنية (روبنسون 1989: 25) أما المنهج أو المسلك الذي ينهجه مجتمع من المجتمعات فإنه يكون من أجدل تسيير دواليب الإقتصاد وحل المشاكل العملية، بينما يخوض علم الإقتصاد وحل المشاكل العملية، بينما يخوض علم الإقتصاد وحل المشاكل العملية، بينما يخوض علم الإقتصاد في الظواهر الإقتصادية ووقائعها العلمية.ومن ثمة فإنه يربط هذه الظواهر بالاسباب المسببات التي تتحكم فيها، وعليه فإن المذهب الإقتصادي يسعى إلى تنظيم الحياة الإقتصادية بناءا على أفكار ومفاهيم قد تكون ذات سند أخلاقي أو عملي أو ذات سند آخر (بابلبي 1975: 36) فهذه الأفكار والمفاهيم تمثل الرصيد الفكري للمذهب الإقتصادي القائم على اساسها، وهكذا يذهب البعض إلى ضرورة معالجة المذهب الإقتصادي من زاوية اسلوبه في تنظيم الحياة الإقتصادية وكذلك من خلال تقييم رصيده من الأفكار والمفاهيم التي يربط بها المذهب وعليه فإنه يترجم تفسير الواقع لاعملية تفسير له (الصدر 1980: 227).لقد تم إثراء الفكر الإقتصادي في درائرة الفلسفة الواسعة الاتي كانت تشمل كل العلوم فلا غرابة حينئذ إذ أطلق عليها كنية أو العلوم، ولقد حدد المتهمون هذات الترابط الفكري الذي إنتشر حتى أواخر القرن الخامس عشرة، وإعتبروا بداية ةالقرن السادس عشرة المنطلق الحقيق للنشاط العلمي الذي شجع الباحثين على الإختصاص في ميادين البحث حتى يتسنى لهم التعمق في المشاكل التي تخصصوا لدراستها وإستنبطوا لذلك الوسائل المناسبة (عبد المولى 1977: 128) وعليه فقد صنفت المذاهب الإقتصادية السابقة على أنها مجرد آراء وأفكار أثرت مواضيع معينة ومحددة تتلاءم والتحليل الإبيستيمولوجي، تسيطر على الرؤى اللاهوتية عن العلاقت الإجتماعية، وفي هذا السياق نورد على سبيل المثال لا ععلى سبيل الحصر فكرة السعر العادل لكل سلعة وإنكار الفائدة بإعتبارها ربا، وفي هذه المرحلة نجد أيضا المسائل التي واجهت المفكرين منها البحث عن مصدر الثروة، ومشكلة الاسعار ومسائل أخرى عديدة كالطلب الفعال و علاقته بالسعر المجزي...إلخ من المواضيع التي ظلت محل نقاش وتضارب آراء الباحثين إلى عهد غير بعيد.إلا أن الإقتصاد كعلم قائم بحد ذاته يبحث في الظواهر واسبابها ومسبباتها وربطها بالوقائع والعوانل التي تتحكم فيها، بدا رسم معالمة منذ القرن السادس عشرة وهذا من خلال مؤلفه (دي مونكريتيان) (De Monchritien) ومنذ ذلك الوقت بدأ البحث عن المنهعج الذي يكمن من تنظيم العمليات الإقتصادية (سعيد النجار 1973: 15) وهو ماسميناه بالموقف المذهبي من الحياة الإقتصادية، وهذا يقوم على اساس أفكار ومفهسم ذات صبغة أخلاقية أو علمية أو أي طابع آخر فهي تمثل الرصيد الفكري للمذهب الإقتصادي القائم (الصدر 1980: 230) وهي في ذات الوقت تعد إختيار لبعض الحقائق التي تفيدهم في مجال البحث الإقتصادي ، وإقصاء ماعداه وإعتبارها فروضا أساسية لمقولاتهم التي تستند إلى أن هذه الفروض قد تبعد كثرا عن ذلك. وهذا راجع إلى المفكرين خلال هذه الحقبة التاريخية – كما اسلفنا- لك يكونوا باحثين مختصين في المجال الإقتصادي، بل ساهموا أيضا في إثراء ذلك الفلاسفة والسادة وحتى رجال الأعمال، ومن ثمة إمكبت المذاهب على تفسير الواقع إلا أن هذا الإستسلام للوقائع لا يكمن إعتبارها الكلمة الاخيرة للبحث العلمي ذلك لأن الوقائع التاريخية لاتسرد تارلايخها الذاتي ( روبنسون 1988: 26) وهذا ما يؤكد بأن المفكرين خلال هذه العصور قد إقتصروا على تفسير الوقائع بطرق مختلفة دون العمل على تغييره، ويمكن تصنيفهم بين رجال الاعمال أو الممارسون والفلسفة منهم التجاريين الذين إنكبوا على دراسة طبيعة ومصادر الثروة وقد عملوا على رسم السياسات التي تحقق الثروة كتشجيع ودعم الصناعات التحويلية، وتحقيق الفائض في الميزان التجاري عن طريق كبح الواردات وزيادة الصادرات، وعليه فإن ذلك سيؤدي إلى تنامي ثروة المجتمع، وهكذا فإن التجاريون سواء كانوا رجال أعمال أو فلاسفة قد قاموا بتفسير الواقع ولم يحاولوا قط البحث عن حصر الظواهر محل الدراسة ومحاولة إثرائها والبحث عن حلولو لها ولذا تم إدراج أفكاريهم محل الدراسة ومحاولة إثرائها والبحث عن حلول لها ولذا تم إدراج أفكارهم تحت طائلة فلسفة العلوم.وعلى عكس التجاريين، فقد ذهب الفيزيوقراطيين إلى إعتبار الزراعة المصدر الوحيد لثروة وماعداها إعتبروها قطاعات عقيمة، فالزراعة تنتج الفائض، ولذا إعتقدوا بانها المصدر الوحيد للثروة و إعتمادا على ذلك ندعو إلى تشجيع القطاع الزراعي وهكذا فإن فكرهم لا يعدوا على أنه تفسشير للواقع لا محاولة لتشخيصه ومحاولة المساهمة في حل عوائقه.وخلاصة القول فإن النذهي يعكس المناهج التي تعتمدها الأمم والأمجتمعات في تسيير دواليب الإقتصاد، وحل مشاكلها العلمية، ويساهم في ذلك الممارسون – أي رجال الأعمال- والفلاسفة الذين تشبعوا بالدين والحكمة – على حد تعبير صاميلسون- وفي هذا السياق يرى الدكتور ثابت محمد الناصر بأن المذهب يشمل كل الأنظمة (les régimes) مضافا إليها الفقه، وعليه فإن التسمية في حد ذاتها مأخوذة من الثقافة الإسلامية، فالبناء المذهبي يستخدم منهجين وهما المنهج الإستنباطي والأستقرائي (السالفين الذكر) أما إستخدامهما في المجال الإقتصادي فإن المذهي يعني الأنظمة الفرعية les systémes partielles والتي تعكس الجوانب السياسية والإقتصادية والإجتماعية وحتى الثقافية، وهكذا فإن المذهب يعني تفسير الواقع – كما أسلفنا- عملية تشخيص له ( الصدر 1980: 238) وسوف نتطرق إلى ذلك عندما نتعرض لنظرية النظم.وعليه فإن المذهب يعكس إختيار الطريقة المثلي لتنظيم الحياة الإقتصادية ليس بطريقة إعتبارية مطلقة، وإنما بالإعتماد دائما على اساس أفكار ومفاهيم ذات طابع أخلاقي أو علمي أو أي طابع آخر وهذه الأفكار والمفاهيم نكون الرصيد الفكري للمذهب الإقتصادي القائم على أساسها ( بابلي 1975: 37) وفي ذات الوقت يهتم بتنظيم الحياة الإقتصادية، إذ يقوم بتفسير الواقع دون العمل على تشخيصه وتغييره، وعليه فما هو الفرق الجوهري أو الفروق التي يكمن تحديدها مع الفكر الذي يقع تحت طائلة المدارس وبذلك هل يمكن تحديد ماهية الإصلاح المدارس؟إذا كان إصطاح المذهب يطلق على الفكر الذي يقوم بتشخيص المنهج الذي يسلكه المجتمع في إدارة شؤونه الإقتصادية وحل مشاكله، ولقد إستخدم هذا الإصطلاح من طرف المختصين في تاريخ الفكر الإقنصادي وذلك من أجل تمييز حقبة تاريخية معينة والمتمثلة في المرحلة التي سبقت مرحلة إنفصال على الإقتصاد عن فلسفة العلوم، أما المرحلة اللاحقة فقد شاع إستخدام مصطلح المدرسة والإتجاه وأحيانا أخرى إستخدام إصطلاح التيار، فما هو القصد من وراء إطلاق هذه التسمية وهب يوجد خلفية لذلك؟إذا كانت المذهبية تهتم بتنظيم الحياة الإقتصادية، حيث يقوم بعملية تفسير الواقع – كما ذكرنا- دون العمل على تشخيصه وتغييره، فإن إصطلاح المدرسة، أطلق على الفكر الذي يعني بالتفسير العلمي للظواهر الإقتصادية، ولقد إرتبطت نشأة المدارس تاريخيا مع إنفصال علم الإقتصاد عن الفلسفة، ويرجى المهتمون بتاريخ الفكر الإقتصاد الفصل إلى (آدم سميث) الذي تمكن من خلال مؤلفه "أسباب وطبيعة ثروة الأمم" الذي يجعل من علم الإقتصاد علما قائما بذاته حيث إستخدم الإقتصاد السياسي للتعبير والدلالة عن العلم الذي يبحث في جوهر الثروة، ولقد تطورت هذه الفكرة ولازال الخلاف قائما حول المدلولو الحقيقي لهذا العلم (روبنسون 1988: 26) ويعود السبب في ذلك إلى إختلاف التعاريف التي وضعت لعلم الإقتصاد السياسي، وهذا يعكس ماهية الفكر الإقتصادي الذي يرنكز اساسا على التحليل الإقتصادي من ناحية والسياسة الإقتصادية من ناحية أخرى، فأما التحليل الإقتصادي فإنه يهتم بالدراسة العلمية التي تهدف إلى الكشف عن القوانين والرابط التي تحكم العلاقات والظواهر الإقتصادية المختلفة (BARRERE 1952: 15) ويمكن التمييز بين أنواع ثلاثة من التحليل، وهما التحليل الساكن والساكن المقارن، والتحليل الديناميكي.أما السياسة الإقتصادية فمعناها السيل المثلى التي يجب إنتاجها من قبل السلطات العمومية لتحقيق غاية معينة، وفي كلتا الحالتين فإن علم الإقتصاد بعد فصله عن الفلسفة أصبح يهتم بالتفسير العلمي للظواهر الإقتصادية ومن أجل تحقيق ذلك يبع الخطوات التي أوردناها سابقا في منهج البحث العلمي، وبإجتماعها يكون لدينا جسم نظري يتميز بالبناء العقلي المنهجي والمنظم المتسم بطبيعة إفتراضية وتركيبية أساسها الفكرة العلمية المراقبة من قبل التجربة وهي قابلة للتحريف للإبطال (دويدار 1981: 45) وذلك بإكتشاف ما يناققضها عن طريق البحث العلمي، وعليه إمتياز الفكر الإقتصادي للمدارس بفهم عميق للظواهر الإقتصادية وتفسيرها وذلك عن طريق إستخدام التبسيط والتجربة – كما أسلفنا- هذه الظواهر التي يفرزها نشاط الأفراد أو المنتمون لنشاطات مختلفة وهذا ما لايمكن فهمه إلا عن طريق نسق محدد بين نشاط الأفراد منجهة والعلاقات المختلفة التي تنشأ عن النحيط الإجتماعي والمؤسساتي بين هذه الأنشطة المختلفة من جهة أخرى، وفي هذا السياق بنى التقليديون كل تحليلهم الإقتصادي على فلسفة عامة جعلت من الفرد الوحدة الرئيسية للنشاط الإقتصادي من جهة، ويسعى هذا الفرد لتحقيق مصالحه الخاصة والمتمثلو في الحصول على أكبر نفع ممكن من جهة أخرى.ومن ثمة فإنهم لايرون تعارض بين المصالح الخاصة والمصلحة العامة وهذا ما جعلهم ينهجون سياسة إقتصادية متميزة تتمثل في سياسة الحرية الإقتصادية على النطاق المحلي و حتى الدولي (A.Piettre1961:78) لأنها كفيلة بتحقيق المصلة العامة. إلا أن هذا التحليل لاقي إنتقادات شديدة وهذا ما يفسر بروز مدارس أخرى، فعلى سبيل المثال لا على سبيل الحصر برزت المدرسة الكينزية التي قامت بتنفيذ المعطيات الأساسية للمدرسة التقليدية فيما يخص التشغيل والعمالة، ولقد كان لكينز والمدرسة الكينزية أثر كبير على تطور الفكرالإقتصادي بوجه عام حتى اليوم وقد يصدق من إعتبرها بالثورة الفكرية الكينزية، كما إهتمت المدرسة الكينزية – بالإظافة إلى التشغيل والعمالة- بالنظرية النقدية ودور الدولة المتدخلة وتحديد السياسة الإقتصادية المناسبة للتدخل .مما سبق تبرز لنا السمات التي تميز المدرسة عن المذهب، وعليه فإن التجاريين أو الطبيعيين لا يمكن بأي حال من الأحوال إدراجها، ضمن إصطلاح وذلك لعدم إتساع تحليلهم الإقتصادي إذ لا يشمل غالبية المشكلات الإقتصادية، حيث إقتصروا في أفكارهم على الثروة وسبل توزيعها وكذلك مشكلة الأسعار وأسباب إرتفاعها، ونفس الشيئ يقال بالنسبة للطبعيين الذين إنتطلقوا من فكرة القانون الطبيعي (By – Law) والتي جذورها تمتد إلى أرسطو، والتي إنتقلت إلى القانون الروماني ثم إلى الكنيسة – كما سنرى- وقد كات لهذه الفكرة أثرها على الطبعيين في تفسيرهم لبعض الظواهر الإقتصادية إهمها إهتمامهم بالنظام الطبيعي والناتج الصافي ومع ذلك يعتقد بأنهم أصحاب الفضل في جعل علم الإقتصاد مستقلا عن الفلسفة، وكذلك في تأسيس المذهب الفردي أساس مذهب الحرية الإقتصادية، ولقد تأثر (آدم سميث) بأفكارهم وهذا ما أدى إلى إعتبارهم أصحاب الفضل في فصل الإقتصاد عن الفلسفة (1) إلا أن ذلك لا يعد صحيحا لأن المدرسة التقليدية قامت بالبحث في جوهر المشكلات الإقتصادية وإعتبرتها مشكلات خاضعة لقوانين علمية عامة، وأن مهمة العلم تتمثل في كشف وتحديد طبيعة هذه القوانين.هذه الطريقة في التفكير أخذا في مجال الظواهر الطبيعية إلى مجال دراسة الظواهر الإجتماعية، ومنها الظواهر الإقتصادية، هذه السمات العامة إتسمت بها كل المدارس التي تلت المدرسة التقليدية ومنها المدرسة الكينزية، والمدرسة التقليدية المجددة وكذلك المدرسة السويدية والدانماركية وكذلك المدرسة الماركسة التي إعتمدت جميعها على المنهج العلمي والقوانين العلمية من أجل معالجة الظواهر الإقتصادية (سول 1965: 63) ولقد برزت اليوم الكثير من المدارس متناقضة في بعض الإهتمامات وبعض أدوات التحليل حيث تطورت الطرق الكمية في الدراسة الإقتصادية التي أدت إلى ظهور علوم جديدة متعددة أحداثها وإقتبسها الإقتصاديون كالإقتصاد الرياضي والبرمجة الخطية وبحوث العمليات، كذلك معالجة المسائل النظرية بأسلوب مختلف تماما عن الأسلوب المعهود، ذلك لأن الفرضيات التأملية تصاغ اليوم بطريقة يمكن بموجبها إختبارها بإستخدام الطرق الإحصائية، كما يلجأ الباحثون اليوم إلى الرياضيات لإعطاء المزيد من الدقة في إصدارأحكامهم، وفي هذا السياق حاول كل من (مارشال) و(فالراس) حساب المنفعة الحدية على القطاع العائلي وحده، كما سمح التطور اللاحق للمدرسة الحدية إلى دحض هذا التفسير، ولقد كشفت الازمة الإقتصادية الكبرى لسنة1929- 1933 عن مدى قصور النظرية الإقتصادية وعدم ملاءمتها ولربما يعتبر هذا السبب من أهم العوامل التي أدت إلى وجود عدد كبير من المدارس – كما ذكرنا- تخلف في إتجاهاتها وتمخضت عنها نظريات أقرب إلى الواقع من سابقتها (المحجوب 1971: 28)1- بدأ (آدم سميث) تأليف كتابه الشهير " ثروة الأمم" في سنة 1764 أثناء تواجده في فرنسا بمدينة (تولوز) والذي نشر في نفس السنة، وقد إلتقى خلال إقامته بتولوز بأنصار المذهب الطبيعي منهم (كيناي) و (تركو)، أنظر (جورة سؤال: المذاهب الإقتصادية، ص: 63).مما سبق فإن الإختلاف بين إصطلاح المذهب والمدرسة اصبح واضحا، لكوننا ربطناه بتاريخ الفكر الإقتصادي وبالتحديد بعد فصل الإقتصاد السياسي عن فلسفة العلوم، ولقد ذهب (كينز) إلى حد قلب معطيات المشكلة التي عرفت نقاشا حادا لدى الإقتصاديين الفرنسيين والمتعلقة بالتمييز بين النظرية والعقيدة (DOCTRINE) أي بين الحكم القيمي وحكم الإثبات (Jugement d'existence) الذي خصص له (كينز) فصلا تحت عنوان ملاحظات حول الفلسفة الإجتماعية التي عالم في إطارها النظرية العامة (BARRERE) و نحن بدورنا قمنا بالتمييز بين المذاهب والمدارس من أجل وضع نظرة جديدة للهيمنة من خلال عرض جملة من الاطروحات سواءا كانت من الفكر القديم أو الحديث بمعنى في إطار المذاهب أو المدارس ولربما هذا الدافع هو الذي شجعنا على إمطة اللثام عن هذين الإصلاحين.فالمذاهب الإقتصادية وحتى المدرسة الكلاسيكية عاصرا المرحلة الأولى من الرأسمالية، التي يطلق عليها الرأسمالية التنافسية وقد إمتازت هذه المرحلة بإتساع نطاق التعامل وكذلك نشأة المدن التجارية كإنتشار العمل الأجير والعمل وفق مبدأ المنافسة فالسوق يخضع لميكانيزمات العرض والطلب وإعتماد مبدأ حيادية الدولة وعدم التدخل في النشاط الإقتصادي، ولقد تطورت الرأسمالية من خلال التحولات التي ميزت بناها الاساسية وهكذا برزت الرأسمالية الإحتكارية كمرحلة أرقى من المرحلة السابقة حيث تتميز بنكوين المشروعات الإحنكارية الكبرى والتي تمتاز بهيمنتها على الحياة الإقتصادية والإجتماعية داخل النظام الرأسمالي.ولقد ظهرت هذ المشروعات مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث نشأت في هذه المرحلة الملكية الكبيرة والمتمثلة في أهمية هذه المشروعات لما بحوزتها من رؤوس أموال ضخمة وكذلك عدد العمال الموظفين للقيام بالعملية الإنتاجية وكذا رقم أعمالها وتضخمها وقد إصطلح على تسمية هذه الظاهرة بالتركيز والذي من نتائجه تحقيق الإنتاج الوافر كما يحقق إستقرار في العمل وشروطه، فعملية تركيز المشاريع تعد من أهم العوامل التي تقضي بشكل نهائي على المشروعات الصغيرة وذلك عن طريق الإبتلاع في المرحلة الإحتكارية (خالدي 1992: 60)، ولقد شكلت هذه الظاهرة المنطق الحقيقيلبعض المنظرين في صياغة أطروحاتهم وإهتموا بأشكال الإحتكارات والقوانين الجديدة للتوازن والنمو وكذلك العلاقات الإقتصادية الدولية ومن أهم أشكال الإحتكارات نقدم الأنواع التالية:أ- الكارتل CARTELيجمع المختصون على أن الكارتل ما هو إلا إتفاق ما بين المشاريع التي تنتج نفس السلعة، فالغاية من إنشائها القضاء على المنافسة وإحلال الإحتكار محله، وعليه فإن نجاح الكارتل يتوقف على إتفاق عدد محدد من المنتجين، لا سيما بين المشاريع المهمة بحيث يحوي %75 على الأقل من حجم الإنتاج الكلي، كما يشترط تقارب هذه المشاريع من حيث تكاليف الإنتاج وأن تكون السلعة محل الإنتاج متجانسة ولا تقبل لها بديلا، ومن أهم شروط نجاح الإنضباط وإحترام الشروط التي يتم الإتفاق عليها، وعموما نفرق بين الأنواع البسيطة والمعقدة للكارتل على النحو التالي (خالدي 1992: 60)1- الأنواع البسيطة:ومنها كارتل تحديد الاسعار والذي بموجبه يتم الإتفاق بين الأعضاء على سعر محدد، هذا السهر يحترم داخل الوطن الواحد، أما على المستوى الخارجي فهم أحرار في تصريف منتجاتهم وإبرام الصفقات وبالسعر الذي يرغبون فيه وهذا ما يعرف بسياسة الإغراق، بينما كارتل الإنتاج فإنه يهتم بتحديد حجم الإنتاج بحيث أنه لايتجاوز الطلب، والغايو من وراء ذلك المحافظة على مستوى محدد من الاسعار ويتم توزيع هذا السقف على الأعضاء وفق النسب المئوية التي ترضي جميع الأطراف، وأخيرا هناك نوع آخر يسعى إلى تقسيم الأسواق الوطنية وحتى الدولية إلى مناطق بحيث يكون لكل عضو منطقة معينة يبيع فيها بضاعته وهذا تجنبا لكا منافسة قد تحدث بينهم وهذا ما يعرف بكارتل توزيع الاسواق.ب- الترست TRUSTنشأ هذا الشكل في آواخر القرن التاسع عشر في قطاع البترول بالولايات المتحدة الأمريكية بناءا على فكرة قدمها أحد المحامين، فالتروست يمثل إندماج عدد مشاريع في مشروع كبير بحيث تفقد – وهذا بعد الإندماج- إستقلالها الإقتصادي و المالي والقانوني ولقد كانت في الولايات المتحدة الأمريكية 60 مشروع أو يزيد قليلا تمارس نشاطها في مجال البترول ، إلا إندمجت مع نشأة التروست في مشروع كبير يديره (روك فيلر) وهكذا أصبحت قوة مالية إقتصادية ضاربة، وقد تم هذا الإندماج عن طريق إنشاء لجنة يتم بموجبها تنازل المساهمون المنظمون إلى التروست عن أسهمهم لهذه النقابة، وبالمقابل يستفيدون من الأرباح دون أن يكون لهم الحق في التدخل في إدارة شؤون المشروع.مما سبق يمكننا القول بأن نركيز الإنتاج ونمو هذه المشروعات الإحتكارية بأنواعها آنفا ساهما في ظهور شكل جديد للملكية الرأسمالية والمتمثلة في الشكل الإحنكاري وهذه الأنواع يميزها تركيزا وتمركز رأس المال، أين يعرف تمركز راس المال على أنه عملية تجميع الرساميل في مشروع واحد يكون أكثر ضخامةوقد ينتج عن إتقان المصارف الكبري على الإحتكار المصرفي والتضييق على المصارف الصغرى و إبتلاعها وهكذا فإن التمركز لرأس المال يعني قيام المشاريع الكبرى بعملية إبتلاع المشاريع الصغرى (نيكيتين 1984: 134) بينما تركيز رأس المال فإنه يمثل في أهمية المشروع من حيث الأموال المستثمرة وكذلك من ناحية عدد العمال المستخدمين وكذلك من حيث رقم الأعمال للمشروع الإحتكاري، وعليه فإن التركيز يترجم مدى تضخم المشروع الإحتكاري الذي تتميز نفقته الكلية بالإرتفاع مقارنة بالمشروعات الصغيرة إلأ أن نفقته المتوسطة منخفضة نتيجة لحجم الإنتاج الكبير مقارنة بالمشروعات الصغيرة التي تعرف صعوبة في حصولها على عوامل الإنتاج وكذا سبل تصريف المنتجات.مما سبق، يمكن تفسير أسباب إختلاف المدارس وظهور الإتجاهات الحديثة وذلك نتيجة لحركية المتغيرات التي تختلف حسب المجتمعات وبناءا على ظروف العصر وعموما يمكننا وضع محطط نلخص فيه ما ذكرناه آنفا على النحو التالي:ثالثا: ماهية النظام الإقتصادي العالمي والنظام الإقتصادي الدوليمن المفاهيم التي نحاول إماطة اللثام عنها مفهوم النظام الإقتصادي العالمي وكذلك مفهوم النظام الإقتصادي الدولي، فهناك من الباحثين من يحبذ إستخدام المفهوم الأول، بينما يذهب فريق آخر إلى إستخدام المفهوم الثاتي، ومن عنا نتسأل هل الإستخدام إختياري أم أنه يعود إلى إختلافات جوهرية بين المفهومين، ومن أجل توضيح ذلك فإنه من الأهمية بمكان التطرق ولو بإختصار إلى الشرح مدلولة النظام وماهيته، كما نتطرق إلى أبعاد إستخدام الإقتصاد الدولي والعالمي وذلك للوقوف على الفروق الجوهرية القائمة بين المفهومين.من الاهمية بمكان تحديد مضمون النظام، فالمشكلة المطروحة تتعلق بالمصطلحات ومشاكل الترجمة إلى اللغة العربية وعليه سوف نستخدم في بحثنا إصطلاح النظام تعبيرا عن الكلمة باللغة الأجنبية التي تعني (1)Système وفي هذا السياق نقدم التعريفين التاليين لماهية النظام J.MELESE 1984:196) (1- النظام هو مجموعة من العناصر، حيث يأخذ كل عنصر من العناصر شكل حالات مختلفة، من هذا التعريف فإن العناصر المختلفة المكونة للنظام ليست جميعها مستقلة عن بعضها البعض، بل توجد إرتباطات نوعا ما معقدة، وذلك من حيث طبيعة وعدد الروابط الذي لا يغير شيئا في التعريف الوارد أعلاه.2- النظام هو مجموعة من المتغيرات التي يمكننا أخذ مجموعة من القيم المختلفة.يبدو لنا من هذا التعريف بأن النظام محدد في لحضة زمنية معطاة بقائمة من القيم المتغيرة، أين العلاقة بين هذه المتغيرات نوعا ما معقدة.مما سبق، يمكنت القول بأن النظام هو عبارة عن مجموعة من العناصر تتسم بتناسقها وتجانسها وهي مرتبطة فيما بينها، ومن ثمة فإن دراسة النظام تهدف إلأى معرفة مكوناته التجمعية وكذلك معرفة المنحى والسلوك الذي يمكن أن تظهر به هذه المجمعات عبر الزمن لاسيما وأن التقدم العلمي أصبح يساهم في سن أنظمة جديدة ( بن ذيب 1992: 05)وعموما فإن النظام يتسم بوجود علاقات وقوانين نحكم المكونات المشكلة له، وهذا خارج عن نطاق الإنسان سواء كان يتعلق الأمر بتحديدها أو حتى وجودها حيث لا يمكنه بلوغ حدود المنطق الداخلي له، ومن ناحية أخرى قد نظهر إرادة الإنسان الذي يعمل على تحديد وضمان التنسيق، إذ يدرك بسهولة منطق وإجراءات تنفيذها.1- يسنخدم الباحثون كلمة نظام للدلالة order système وهي ترجمة شائعةمن بين المتغيرات الكونة للنظام، هناك البعض منها يكون خاصا بالمداخلات للنظام والبعض الآخر يمثل محروجاته، بحيث تشكل المدخلات من متغيرات ذات قيم محددة مفروضة على النظام محل الدراسة وذلك من العالم الخاجي وهذه المتغيرات نطلق عليها بالمتغيرات المؤثرة، بينما المخرجات فهي تمثل تلك المتغيرات التي تؤثر على الأنظمة الأخرى (J.MELESE 1984: 197) بالإضافة إلى ما سبق، هناك بعض المتغيرات الأخرى التي تعد بمثابة مؤشر عند قياس فعالية التظام والتي يطلق عليها بالمتغيرات الأساسية في زمن مسيرة النظام، وفي هذا السياق فإن بعض المخرجات يمكن تصنيفها مع المتغيرات الاساسية للنظام.ولقد أخذ علم الإقتصاد السياسي في التطور، ولقد إعتبر (آدم سميث) من خلال نؤلفه ثروة الامم – كما ذكرنا- كتاريخ لنشأة هذا العلم، ولقد أثار الإقتصاديون منذ ذلك التاريخ مشكلات إقتصادية من بينها إشكالية التجارة الدولية إلا أن إشكالية النظام الإقتصادي العالمي لم تكن مطروحة آنذاك ذلك لكون الموضوع مرتبطة بالعصر الحالي لتشابك العلاقات الدولية وإنعكاس المشكلات الإقتصادية الدولية على مختلف الإقتصاديات الوطنية وحتى الحياة الفردية للناس وهذا ما يحتم على المستوى النظري ضرورة التمييز بين مفهومين النظام الإقتصادي العالمي من جهة والنظام الإقتصاد الدولي من جهة أخرى.وفي هذا السياق، يعرف الأول على أنه يعكس العلاقات الإقتصادية التي تقوم على النطاق البشري مابين الشعوب نفسها، بينما يمثل المفهوم الثاني تلك العلاقات الإقتصادية التي قد تنشأ ما بين الدول كيانات سياسية ( إسماعيل صبري عبد الله 1987: 175) وعليه فإن النظام الإقتصاد العالمي قديم قدم التاريخ، إذ يمكن الرجوع به إلى عهد المدنيات الأولى، أين العلاقات الإقتصادية على المستوى العالمي لم تكن في جميع الأحوال تتخذ اشكالا إقتصادية بحتة، بل تتخذ في كثير من الاحيان أشكالا لا تمس بصلة للإقتصاد كالنهب المباشر بصورة وأشكاله القديمة والحديثة. (هذا ما سنراه في الفصل اللاحق)وهكذا فإن النظام الإقتصادي العالمي الذي يتجه إلى الإختلاف والتمايز نوعيا لم بلق الإطار النظري ولا الوسائل والأدوات الكفيلة التي لها القدرة على تشخيصه وإبراز أبعاده (عارف دليلة 1987: 175) ومن أجل فهمه فإنه من الأهمية بمكان فهم التغيرات التي حصل في هذا النظام وتفسير إتجاهات متغيراته بأنواعها ومنحنى تطورها، وهنا يجب أن نسلط الأضواء على هذا النظام بإعتباره نظاما يتسم بقوانينه الموضوعية، وعلى إعتباره علم وصفي تاريخي لتلك الاشكال والأطروحات والتنظيمات التي تعكسها العلاقات الإقتصادية للمجال الإقتصادي على المستوى الدولي بين الكيانات السياسية.بينما النظام الإقتصادي العالمي القائم بين هذه الكيانات وغيرها فهو يكرر في تطوره حتى ولو كان بذلك يشكل متميز ومتأخر تطور النظام الإجتماعي، إذ لا زال يتطور بطريقة تلقائية تتجاوز العقلانية والتنهيج، وبنفس الوتيرة الذي بدأ النظام الرأسمالي تطوره قبل قرون (ع. دليلة 1987: 167).أما النظام الإقتصادي الدولي فإنه يترجم المعاملات التي تتم بين الوحدات السياسية التي تتمتع كل منها بالسيادة الوطنية (الشافعي 1970: 3) ولقد أصبحت العلاقات الإقتصادية الدولية فرعا مستقلا من فروع علم الغقتصاد، إذ تتميز بطابعها خاصا يميزها عن المشكلات الإقتصادية العامة الأخرى، وعليه تتحول العلاقات الإقتصادية الدولية من علاقات ذات متغيرات خارجية بالنسبة إلى الكيانات القطرية الملموسة غير قابلة للتفسير على أساس القوانين الداخلية لأي من الأنظمة المشاركة في هذه العلاقات إلى علاقات تعتمد على متغيرات داخلية مكونة للنظام الإقتصادي العالمي (ع. دليلة 1987: 81) وهكذا فإن التمييز بين النفهومين يقودنا إلى تصور العلاقة بينهما وكأنهما متضادان، أو بديلان يمكن لأحدهما إقصاء الآخر ةالحلول محله، إلا أن العلاقة بينهما تبرز كعلاقة بين المضمون والشكل أو بين المجال السياسي والايديولوجي والمجال الإقتصادي والدولة ماهي إلا مظهرا من مظاهر المجال السياسي والإيديولوجي، فكذلك العلاقات الإقتصادية التي تترجم المجال الإقتصادي القائم موضوعيا والمتطور تاريخيا في الدائرة العالمية، فالمجال السياسي الإيديولوجي يمثل إنعكاسا للمجال الإقتصادي ويترجم مدى نضجها وتطورها.وفي هذا السياق خطى النظام الإقتصاي الدولى خطوات كبرى في عصر الأزمة الاقتصادية الكبرى 1936 إلى غاية إنتهاء الحرب العالمية الثانيةوالتي تعكس أزمة النظام الرأسمالي ، حيث تغيرت الأفاق وإنقسم العالم إلى كتلتين كبيرتين من القوى، كما تشكلت كتلة ثالثة تشمل البلدان المستقلة والمنتشرة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، هذه الكتلة التي إختارت بعد المفاضلة أحد النظامين المتنافسين، بعد أن قطعت قيودها الاستعمارية ( صامويلسون 1993: 354) ومن ثمة إزدادت العلاقات الإقتصادية الدولية تعقيدا وتنوعا، وهكذا تعرضت الحياة الإقتصادية الدولية إلأى تغيرات كمية ونوعيو وجذرية، وتحولت من علاقات يحددها مركز واحد إلى علاقات بين أطراف نوعية مختلفة (ع. دليلة 1987: 170) ويات من الضروري البحث في طبيعة العلاقات التي تحكم هذه الأطراف، هذه العلاقات التي نحاول أن ندرجها نحت طائلة الهيمنة، فكيف يمكن تحديد هذا المفهوم في ظل الأنظمة المتعاقبة التي شهدها تاريخ المجتمع البشري عبر العصور.ومما سبق فإننا سنستخدم هذين المفهومين، إنطلاقا من التعريف الذي أوردناه سابقا، بحيث إذا إستخدمنا النظام الإقتصادي التي تقوم على النطاق البشري أي ما بين الشعوب نفسها أما في حالة إستخدامنا لمفهوم النظام الإقتصادي الدولي فإننا نقصد بذلك العلاقات الإقتصادية الدولية التي تتم ما بين الدول بإعتبارها كيانات قطرية تتمتع بإستقلالها السياسي وسوف يبرز هذا الإستخدام بكل وضوح في الفصول اللاحقة ومن ثمة فإن الإقتصاد الدولي يمكن إعتباره نظتم فرعي من الإقتصاد العالمي لكونه هذا الاخير يشمل نحت طائلته كل المعاملات التي تتم بين الأمم بما في ذلك تخضع إلى مواثيق وقوانين ذات طابع دولي تلقى إحترام وقبول الجميع.رابعا: النظام النقدي الدولي والنظام النقدي الأوروبينستخدم في البحث محل الدراسة أيضا بعض التقنيات منها النظام النقدي الدولي والنظام النقدي الأوروبي SME ، فالبنسبة للأول فإنه يتحكم فيه الصندوق النقدي الدولي، أما النظام النقدي الأوروبي فإننا نعني به ما إصطلح على تسميته بالثعبان الأوروبي Le Serpent Européen وهو ممثلا على النحو التالي (DELAUBIER 1975: 264) :نستخلص من الرسم البياني للنظام النقدي الأوروبي المسمى بالثعبان الأوربي أن:أ- المارك الألماني (DM) يلمس ظهر الثعبان وهذا الأخير يلمس سقف النفق وعليه يقوم البندسبانك بشراء العملات الأوروبية وكذلك الدولارات .ب- عندما يلمس الفرنك الفرنسي FFI بطن الثعبان فإن البنك الفرنسي (المركزي) يقوم بيع العملات الأوروبية وذلك بهدف الإبقاء على الفرنك داخل النفق، أما في حالة FF2 أي عندما يلمس أرضية النفق فإن بنك فرنسا يقوم ببيع العملات الأوروبية من أجل ضمان بقائه داخل الثعبان، كما يقوم ببيع الدولارات لضمان بقائه داحل النفق.وهكذا مما سبق يمثل النفق المقدر بـ %4.5 المجال المحدد لتغير العملات الأوروبية لضمان بقائها في النظام النقدي الأوروبي، وفي هذا السياق يجب الإشارة إلى أنه تم خروج بعض العملات كالعملة الإسبانية من النظام النقدي الأوروبي لعدم إلتزامها بالمجال السالف الذكر أما مراجعة القيمة النقدية فإنها محددة عند %1.25+- كما هو مبين في الشكل، ولقد سعت الدول الاوروبية بعد قرار نيكسون 1971 إلى إقرار النظام للتخلص من إرتباطها بالدولار الذي ظل ولفترة طويلة وسيلة الدفع الدولية حتى قيل عنه أنه جيد كالذهب بل أفضل من الذهب (as good as gold)كما يعود سبب إقرار هذا النظام بعد أن قامت مجموعة من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بتعويم أسعار الصرف بحيث أصبحت خاضعة لميكانيزمات السوق وعليه فإن النظام النقدي الأوروبي قام بتوسيع هامش تقلبات العملات إلى 2.257% صعودا أو هبوطا لا سيما بعد أن أقبلت الولايات المتحدة الأمريكية على التخفيض في قيمة الدولار بنسبة 10% وذلك في شهر فيفري 1973 بهدف جلب رؤوس الأموال، هذا ما جعل دول السوق الأوروبية آنذاك وعددها ستة دول تقبل على تعويم عملاتها لمواجهة الدولار والين الياباني مع الاحتفاظ بسعر الصرف ثابتا فيما بينها في حدود 2.257% وهذا ما اصطلح على تسميته بالثعبان الأوروبي (276: 1975 DELAUBIER) ولكن هذه المحاولات للتصدي ظلت عقيمة، أين ازداد التنافس بين المجموعة الأوروبية من ناحية والولايات المتحدة الأمريكية من ناحية أخرى وذلك بعد أن عرفت أسعار البترول ارتفاعا كبيرا حققت من ورائه الدول النفطية فوائض مالية لا يستهان بها ثم استغلالها من طرف المصارف المتعددة الجنسيات لا سيما الأمريكية والتي تم توظيفها في نفس الدول وأفرزت أثار سلبية سنأتي على دراستها لاحقا.بالإضافة إلى ما سبق، فإنه سيتردد معنا استخدام قاعدة الذهب "Etalon -or" وقاعدة الصرف بالذهب "Gld exchange standard"، ففي ما يخص قاعدة الذهب فإنه يمكن تحديده من خلال الوسائل والأهداف إذا استخدمت هذه الوسيلة منذ سنة 1850 عندما شرعت الدول الأوروبية في فتح حدودها وكانت كل دولة تعتمد هذا النظام على النطاق الداخلي ونظرا لتحرير المبادلات فيما بينها وشيوعها خلال النصف الثاني للقرن التاسع عشرة، فإن هذه الوسيلة أصبحت مقبولة من طرف دميع الدول الغربية لكونها تسهل عملية التبادل الدولي وتشجيع التطور السريع للتجارة الدولية، ولقد اعتمدت هذه القاعدة في غياب نصوص رسمية- كما هو الحال اليوم*- قانونية يتبنى اعتماد ذلك رسميا، وهذا عكس ما جرى في (بريتون وودز) كما سنرى ولربما يرجع السبب في ذلك إلى أن هذه القاعدة، كان معمول بها في نطاق كل كيان قطري من ناحية وتزامنت مع مرحلة الرواج التي عرفها النظام الرأسمالي في أوروبا إلى غاية الحرب العالمية الأولى، إذ تضمن هذه القاعدة المنافسة الدولية الحرة، لكونها متجانسة وتساعد على تحقيق التطور العادل لجميع الأطراف، أما عن وسائل هذه القاعدة فإنها ترتكز إلى ضمان حرية التسديد للمبادلات والتي تعرف اليوم بقابلية التحويل وهكذا مادامت جميع العملات مقدرة وفق وزن معين من الذهب فإنها محققة لحرية التسديد بشكل حر على المستوى الخارجي أي أنها تستخدم دون قيود وهذا ما يجعلها سهلة التحويل والتسديد ويمكن تمثيل ذلك على النحو التالي (153: 1974 P. SALAIN):وعليه فإن نظام هذه القاعدة يمتاز بالوحدة والتجانس بين جميع العملات لخضوعها لمعدن متماثل خير ما قيل فيه قولة (كينز) الشهيرة "المعدن الملوكيMonarque Métallique وعليه فإن حرية التحويل ممكنة بفضل هذا الارتباط والذي يعبر في آن واحد عن النظام النقدي الوطني والدولي (168: 1970 Mosse) وعليه فإن الذهب النقدي يعد عملة وطنية ومن ثمة فإن كل دولة ملزمة بتحديد وحدتها النقدية مقابل وزن معين من الذهب الصافي وتترك لها الحرية المطلقة في صك العملة الذهبية وكذلك الحرية الكاملة في تنقلها داخل حدودها الإقليمية التي يجب أن تمثل الأساس للعملة المحلية، وعليه فإن جميع العملات يجب أن تكون قابلة للتحويل إلى ذهب في أي وقت وبشكل ألي، كما أن العملات المصدرة بموجب سندات أو الأوراق المالية هي الأخرى قابلة للتحويل أيضا إلى ذهب في أي وقت وأن عملية إصدارها مرتبطة أساسا بتوفر الاحتياطي من الذهب يكون محفوظا لدى بنك الإصدار ولقد كانت القطع الذهبية تتداول في دول أوروبا إلى غاية 1914 كالنقود الورقية تماما، بالإضافة إلى ضمان التسديد، فإن هذه القاعدة تمتاز بالاستقرار وديمومة التسديد ويظهر ذلك جليا على مستوى ميزان المدفوعات للدول التي تتعامل وفق هذه القاعدة نظرا لاستقرار سعر الصرف فيما بينها ويمن توضيح ذلك بالمثال التالي:الوزن بالذهب سنة 1914 لكل من الفرنك الفرنسي والجنيه الإسترليني.حيث: 1 ف ف = 0.2903 غرام من الذهب خالصأما 1 جنيه إسترليني = 7.322 غرام من الذهب الصافي.وعليه فإن سعر الصرف للوحدة يمثل:7.322 / 0.2903 = 25.22 فرنك فرنسي.وعليه فإن خروج الذهب أو دخوله ذات علاقة وطيدة بالميزان التجاري وبالتالي فحركة الذهب بين الداخل والخارج مرتبطة بهذا الميزان وعليه يفترض حيادية السلطات النقدية تجاه تدفق الذهب.أما قاعدة الصرف بالذهب "Gld exchange standard" فقد بدأ العمل وفق هذه القاعدة عشية إنهاء الحرب العالمية الأولى أي سنة 1918، وذلك بعد أن عر العالم خلال فترة الحرب التخلي عن نظام قاعدة الذهب السالف الذكر، وهذه القاعدة الجديدة تقدمت بها بريطانيا في شكل اقتراح إلى مؤتمر جنوة سنة 1922 وقد جاء هذا المقترح بعد فشل العودة إلى نظام قاعدة الذهب، وهكذا فإن نظام الصرف بالذهب تشترط تحديد سعر ثابت للعملات بالذهب وإمكانية تحويل هذه العملات إلى ذهب وكذلك حرية استيراد وتصدير هذا وإمكانية بيعه وفق النقود الورقية وهكذا فإن هذا النظام يتمتع بجملة من المزايا أهمها المحافظة على الذهب والاقتصاد في استعمالاته النقدية، كما أنه يساعد على تأمين حاجات التداول من النقود في وقت مازال فيه للنقود صلة بالذهب، أما عن عيوب هذا النظام فإنه يترتب عنه تضخيم الكتلة النقدية، وذلك لأن كمية من الذهب تستعمل لتغطية نقود عدة دول هذا ما دفع بفرنسا عام 1929 إلى الإعلان عن استعداده لبيع وشراء العملات الأجنبية لا سيما الدولار والجنيه (عطون 1989: 68) إلا أن هذا النظام لم يدم طويلا إذ انهار في سبتمبر 1931 لكونه يحمل في طياته دوافع متعددة باتجاه الحركة المضاربية للرساميل بسبب لا مركزية المالية الدولية.وعليه فإن أزمة الكساد الكبرى لسنة 1929، يمثل النظام الصرف بالذهب إحدى أسبابه الجوهرية وهذا ما يشجع إلى بروز المناطق النقدية مثل منطقة الفرنك ومنطقة الجنيه وكذلك منطقة الدولاروعموما فإن هذه المفاهيم سنتناول في بحثنا وسنعمل إلى إماطة اللثام من الجوانب الخفية لها وذلك من أجل تحقيق هدف هذه الدراسة والمتمثل في وضع نظرة جديدة للهيمنة في إطار العلاقات الاقتصادية الدولية فهل يمكن تحديد النظام الاقتصادي العالمي عبر العصور التاريخية ومن ثمة هل يمكن استخلاص أهم متغيرات الهيمنة التي واكبت هذه المراحل؟ هذا ما سنعمل على تحقيقه في الفصل اللاحق

Aucun commentaire: